ياسين بونو… حين يصير الصمت مجدا

الحياة لا تمنح المجد إلا لمن يصبرون على الانتظار الطويل. وحين يعبر الإنسان العتمة دون أن تنكسر روحه، يصبح الضوء حقاً مستحقاً. ياسين بونو، الحارس الذي لا يكثر الكلام، لكنه حين يقف في المرمى، يتحدث بلغة لا يفهمها إلا من يعرف قيمة الصبر والهدوء والثقة.
ولد بونو في الخامس من أبريل 1991، في مونتريال الكندية، لكنه سرعان ما عاد إلى المغرب رفقة أسرته، حيث نشأ وترعرع، والتحق بمدرسة نادي الوداد الرياضي في سن الثامنة.
وفي سن الثامنة عشرة، أبدى نادي نيس الفرنسي رغبة في ضمه، لكن الوداد الرياضي رفض العرض لأسباب مالية. وفي موسم 2009/2010، انضم إلى الفريق الأول للوداد كحارس ثانٍ خلف نادر لمياغري، وكان أحد المساهمين في تتويج الفريق بالدوري المغربي في الموسم نفسه.
في 2012، تألق بونو في نهائي دوري أبطال إفريقيا أمام الترجي التونسي، في مباراة كانت نقطة التحول في مسيرته. بعدها بأشهر، انتقل إلى أتلتيكو مدريد. هناك، لم يكن الطريق سهلا، فقد وجد نفسه خلف كورتوا ودانييل أرانزوبيا. لكنه اختار البقاء، التعلم، والصبر.
في 2014، أعير إلى ريال سرقسطة، حيث لعب موسمين في الدرجة الثانية، وشارك في نحو 20 مباراة كل موسم. ثم في يوليوز 2016، انتقل إلى جيرونا، وهناك ساهم في صعود النادي إلى دوري الدرجة الأولى الإسبانية لأول مرة منذ تأسيسه قبل 87 سنة.
في سبتمبر 2019، انضم إلى إشبيلية معاراً، كبديل للحارس التشيكي توماش فاكليك. وفي النصف الثاني من الموسم، بعد إصابة فاكليك، تولى بونو المهمة وتألق في الدوري الأوروبي، وساهم في فوز الفريق باللقب عام 2020. وفي سبتمبر 2020، اشتراه إشبيلية مقابل 4 ملايين يورو، ومدد عقده لاحقاً حتى 2025، ليتوج باللقب الثاني للدوري الأوروبي في 2023.
في فبراير 2021، دخل بونو تاريخ النادي الأندلسي، بعدما حافظ على نظافة شباكه لـ528 دقيقة متتالية في الليغا، متجاوزا رقم الحارس السابق بيتو (516 دقيقة). وكان حينها أحد أبرز الحراس في الدوري الإسباني.
ثم جاء مونديال قطر 2022، وكانت البطولة لحظة تتويج لمسيرة من الصبر والمثابرة. في ثمن النهائي أمام إسبانيا، تصدى لثلاث ركلات جزاء، ليقود المغرب إلى أول نصف نهائي في تاريخ العرب وإفريقيا. نال لقب “رجل المباراة”، وتصدرت صورته الصفحات الأولى للصحف العالمية.
وفي صيف 2023، انتقل إلى نادي الهلال السعودي. صفقة ضخمة، قيل فيها الكثير، لكنها لم تكن نهاية القصة، بل بداية فصل جديد. وفي وقت وجيز، بصم بونو على تألق لافت، وساهم في فوز الهلال بالدوري السعودي وكأس خادم الحرمين الشريفين، وقاده إلى نهائي دوري أبطال آسيا.
وفي كأس العالم للأندية 2025، الجارية الحاليا بالولايات المحتدة الأمريكية، خطف بونو الأنظار بلقطة غير متوقعة، بعد تصدٍ بطولي أمام مانشيستر سيتي. كانت حركة بسيطة، لكنها صارت ترنداً عالمياً، وتناقلتها كبريات الصحف والمواقع الرياضية. لم تكن فقط لقطة استعراضية، بل كانت رسالة: “أنا هنا، وفي كل مرّة تحتاجونني، سأكون في مكاني… بثقة كاملة”.
رغم كل الألقاب، والضوء، بقي بونو كما كان: بسيطاً، هادئاً، وفياً لجذوره. عاد إلى المغرب، فاستقبله جمهور الوداد في مركب محمد الخامس كما يُستقبل الأبطال. لم ينسَ يوماً من أين بدأ، ولم تنسه البطولات أول حب كروي ذاقه.
بونو ليس فقط قصة حارس ناجح.
إنه قصة رجل صبر طويلا، وعندما حان وقته، لم يصرخ… فقط وقف بثبات، وقال كل شيء بصمت.
حسن قديم
مدير نشر موقع الميدان بريس