سورية والحاجة إلى الاحتضان العربي

تمر سورية من ظروف في غاية التعقيد، في مرحلة ما بعد رحيل الأسد، وفي محيط إقليمي ملتهب، وعلى حدود إسرائيل، التي تسعى بكل الوسائل إلى إفشال المرحلة الانتقالية وإدخال البلد في دوامة من العنف والاقتتال، فالإسرائيليين لايريدون سورية قوية وموحدة، بل يسعون بكل جهدهم إلى جعلها بلد بلا سيادة ولا قرار ولا مواقف، وهو ما يتطلب يقظة دائمة ورباطة جأش كبيرة للتعامل مع جيش الاحتلال وتحييد خطره على وحدة وسيادة هذا القطر العربي.
إن سورية تحتاج اليوم إلى احتضان من الجامعة العربية من خلال المساعدة على تحقيق انتقال سلمي نحو مجتمع ديمقراطي تعددي ونظام سياسي يكفل الحق للجميع، بعيدا عن الانتقام والانتقام المضاد، والذي لن يوصل إلى أي حل، ما عدا إلى إراقة دماء الشعب السوري. ولعل الاحتضان الذي لقيته من عدد من الأقطار العربية في مقدمتها السعودية والإمارات وقطر، والرسائل التي تلقاها الرئيس أحمد الشرع من أشقائه العرب تدخل في هذا الباب بل وجب المرور إلى السرعة القصوى وبدء الإعمار وإعادة الحياة للبلد.
إن الجامعة العربية اليوم أمام مسؤولية تاريخية لتوفير كل الدعم والسند لهذا القطر العربي الذي خرج من حرب مدمرة، وعدم ترك سورية لقمة سائغة في فم باقي القوى الإقليمية التي تحاول التمدد داخل التراب السوري.
تفرض التحديات الأمنية والتنموية والاقتصادية التي تواجه سورية، على العرب التفاعل الإيجابي مع الحكومة السورية، وتبني دينامية عربية قادرة على التأثير في مجرى الأحداث وتحويل هذا الدعم الذي تتلقاه حكومة دمشق إلى خارطة طريق ملموسة تؤسس لعمل عربي مشترك وفعال يخدم مصالح الشعب السوري. وهنا يبرز الجامعة العربية كفاعل مؤسساتي محوري، يمتلك من الخبرة والشبكات والعلاقات ما يؤهلها لقيادة هذه الدينامية ومواكبة الرؤية العربية الاستشرافية.
يقف الشعب السوري اليوم وقفة استشراف للمستقبل، لأن الرهان على سورية الكرامة والعدالة الاجتماعية إذا لم يتجه نحو المستقبل فإن ثقل الماضي وإنجازات الحاضر ليست ضمانة لتحقيق الهدف المنشود. غير أن كل رهان محكوم بالمبادئ والقواعد التي يضعها المتراهنون لأنفسهم بأنفسهم.
ولقد تم إرساء بعض من المبادئ والقواعد عبر تضحيات جسام ما بعد رحيل نظام الأسد وعبر مخاض طويل من النضال والتضحيات. والسجال التي يعيشه البلد الآن بين مثقفي مختلف المشارب الفكرية والتجارب، رغم حدته أحيانا إلا أنه مطلوب، لأن الجميع يحلم بسورية قوية وموحدة، وطن يحفظ الحقوق لأصحابها، سورية كل سواسية فيها أمام القانون. فلقد كفى الشعب السوري ما واجه من قمع وإذلال لكرامته تحت راية المصلحة الوطنية المزعومة.
على القوى الحية والوطنية السورية ألا تجعل نقطة انطلاقاها هي الصفر، بل وجب أن تكون الحكومة بامتداد شعبي وسند جماهيري، ولا تصنع على مقاس البورجوازية ولخدمة مخططاتها.
نقطة الانطلاق إذا هي مقاومة سلب الشارع إرادته في التغيير ووأد حلمه في بناء سورية الكرامة والحرية، وسورية تتسع لكل أبنائها، ولن يمر ذلك إلى عبر ترك كل الخلافات جانبا، والعمل على بناء مؤسسات البلد وتقوية مفاصل الدولة وطمأنة كل مكونات الشعب، وإشراك للجميع في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة، وتكريس مبدأ التعددية وحرية تأسيس الأحزاب جمعيات المجتمع المدني، وهو ما يتضح من خطابات الرئيس الشرع، رغم تشويش إسرائيل ومن يدور في فلكها.
حسن قديم
مدير موقع الميدان بريس