مسيرة آيت بوكماز.. صرخة من الهامش ورسالة فشل لسياسات التنمية

مسيرة آيت بوكماز بإقليم أزيلال، التي قطع فيها المواطنون عشرات الكيلومترات مشيا على الأقدام، ليست فقط شكلا من أشكال الاحتجاج، بل هي تعبير صادق ومباشر عن واقع مرير تعيشه العديد من المناطق المهمشة في المغرب. هذه المسيرة، في بساطتها وقوتها الرمزية، تغني عن كثير من تقارير المؤسسات الدستورية التي تحاول توصيف اختلالات التنمية وتفاوت الفرص بين الجهات.
ما وقع في آيت بوكماز ليس حدثا معزولا، بل هو تجل حي لفشل السياسات العمومية المتراكمة التي لم تتمكن، رغم مرور عقود من “المخططات” و”البرامج”، من ردم الهوة بين مغرب المركز ومغرب الهامش. فبينما يمكن لمواطن أن يقطع 500 كيلومتر في ساعتين بين الدار البيضاء وطنجة، لا يزال آخرون في مناطق مثل آيت بوكماز يطالبون بمطالب بسيطة وأساسية: طبيب قار في المركز الصحي، ربط بالهاتف والأنترنت، وسائل نقل مدرسي وجماعي، وتكوينات مهنية تتماشى مع طبيعة المنطقة.
هذه المسيرة تضعنا أمام تساؤلات حقيقية ومؤلمة: أين نحن من ورش الجهوية المتقدمة؟ هل بالفعل تمكنا من إعطاء الجهات الإمكانيات والصلاحيات الكافية لتدبير شؤونها؟ هل هناك إرادة حقيقية لبلورة نموذج تنموي عادل وشامل يُراعي الخصوصيات المجالية والاجتماعية لكل منطقة؟
رغم أن السلطة المحلية، ممثلة في عامل الإقليم، تفاعلت بشكل إيجابي مع مطالب الساكنة وتعهدت بالاستجابة لها، إلا أن ذلك لا يكفي. لأن الجواب الحقيقي ليس في المسكنات الظرفية، بل في إقرار سياسات عادلة، قادرة على فك العزلة عن المناطق النائية، وضمان الحد الأدنى من الكرامة لكل مواطن مغربي.
مسيرة آيت بوكماز يجب أن تقرأ على أنها نداء استغاثة، وصرخة من قلب الجبال، تنبهنا إلى أن هناك مواطنين يعيشون خارج الزمن التنموي، وينتظرون فقط أن يشعروا بأنهم جزء من هذا الوطن، ليس فقط في الخطب والشعارات، بل في الحق في الصحة، التعليم، البنية التحتية، وفرص العيش الكريم.
هذه المسيرة كشفت عن واقع مرير يعيشه المواطن في الهوامش، ذاك الذي يرفض مغادرة بلدته رغم قساوة العيش، متمسكا بأرضه في انتظار كرامة موعودة. هذا الواقع يجب ألا يغيب عنا سؤالا جوهريا: هل ستنسي تحضيرات مونديال 2030 صناع القرار المناطق والمدن التي لن تحتضن هذه التظاهرة الكبرى؟”
فرغم تأكيد الحكومة المتكرر على أن برامج التنمية تشمل كل جهات المملكة، إلا أن ما حدث يحتم علينا أخذ الحيطة والحذر، حتى لا نستفيق من جديد على مسيرة أخرى تنطلق من منطقة مهمشة، تطالب فقط بأبسط مقومات العيش الكريم.”
حسن قديم
مدير نشر موقع الميدان بريس