قديم يكتب.. ابن كيران.. شخصية مثيرة للجدل وسياسي لامس خطوط التماس مع القصر دون أن يتجاوزها

عاد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى الواجهة، بعد أن انتخبه المؤتمر الوطني التاسع لولاية جديدة، أملا في إعادة بريق الحزب، الذي تعرض لهزات متتالية كادت تعصف بوحدته التنظيمية.
وهكذا سيواصل ابن كيران قيادة الحزب في ظلّ ظروف في غاية التعقيد، بعد أن تراجع حضوره بالمؤسسات المنتخبة، وتحول من القوة السياسية الأولى في المغرب، ما بعد الربيع العربي، وقيادته الحكومة لولايتين متتاليتين، إلى حزب بلا فريق برلماني بمجلس النواب وخارج أغلبية المجالس المنتخبة.
ويراهن أعضاء الحزب وقواعده على دهاء ابن كيران وقدرته على تدبير وإدارة الصراع السياسي وحضوره اللافت وشخصيته الكاريزمية، لإعادة الحزب إلى الواجهة مرة أخرى، بعد أن تضررت صورته كثيرا بسبب التوقيع على التطبيع وتمرير قانون فرنسة التعليم وقانون تقنين القنب في عهد الحكومة الثانية التي قادها، وهي الملفات التي شكلت ورقة قوة الحزب، في وقت سابق.
تسلم ابن كيران قيادة الحزب من جديد عقب مؤتمر استثنائي في2021، بعد أن قدم الأمين العام السابق سعد الدين العثماني استقالته، عقب النتائج التي حصل عليها الحزب خلال تشريعيات 2021، وفقدان أغلب المدن التي كان يسيرها، وتراجع عدد برلمانييه من 125 بنائبا برلمانيا إلى 13 فقط، وتوقيعه على تطبيع العلاقات مع إسرائيل ما جر عليه غضبا واسعا، حتى من داخل التنظيم نفسه، ليجد نفسه أمام حزب ترك على هرم السلطة تفكك بشكل كبير وخفت لمعانه.
يقول مؤيدو الرجل إن مسيرة ابن كيران في الحياة السياسية مكنته من مراكمة تجربة كبيرة وطويلة، جلعته يعرف متى يهادن ومتى يهاجم، وكيف ينحني للعواصف، إذ نجا في أكثر من مرة من فرض الفخاخ نصبت له، وخرج سالما، بل منتصرا من معارك سياسية دخلها، وأصبح قادرا على فهم التحولات الاستراتيجية العميقة التي عرفتها الدولة والصراعات السياسية التي تجري على مستوى الوطني، ما مكنه من إدارتها وفق ما يريد هو، لا ما يريد خصومه.
فيما يرى خصوم ابن كيران أن الرجل هو مؤسس الشعبوية بالمغرب ساعده الربيع العربي وضعف خصومه وأخطاء الدولة أحيانا في الوصول إلى السلطة وأنه لا يملك تصورا لإدارة الحكم، ويقول الكلام ونقضيه، فهو يناهض التطبيع ويدعو إلى إسقاطه، في الوقت الذي وقع حزبه على التطبيع، ومرر قوانين لا شعبية، ويدغدغ العواطف فقط ويسوق خطاب المظلومية.
يقول ابن كيران إنه شرب حليب السياسة من والدته التي ناضلت في حزب الاستقلال، وحضر معها أنشطة الحزب، وتعلم من والده التصوف، ليبدأ النضال من الشبيبة المدرسية لحزب الاستقلال ثم انتقل إلى الشبيبة الاتحادية والنضال إلى جانب اليسار، قبل أن يجرفه المد الإسلامي، ويلتحق بالشبيبة الإسلامية، التي تدرج فيها سريعا ليصل إلى قيادة التنظيم، و يغادره بعد خلافات مع مؤسسها عبد الكريم مطيع، ليؤسس حركة “الجماعة الإسلامية”، التي ترأسها في 1985.
بدأت محن الرجل مبكرا مع السلطة وذاق من القمع والتضييق إبان سنوات الرصاص، واشتغل في السرية بعيدا عن أعين السلطات في زمن وزير الداخلية الأسبق ادريس البصري، قبل أن تنضج فكرة العمل من داخل المؤسسات، ليغير رفقة إخوانه اسم الحركة إلى الاصلاح والتجديد، ويصدرون وثيقة يقرون فيها بإمارة المؤمنين والشرعية الدينية للملك، في محاولة للقطع مع السرية والخروج للعلن والإصلاح من الداخل.
حاول ابن كيران تأسيس حزب التجديد الوطني، في سنة 1992 لكن السلطة رفضت الاعتراف به، ليدخل رفقة إخوانه في مفاوضات مع أحزاب أخرى للالتحاق بها، أهمها حزب الاستقلال، قبل أن يستقر بهم المآل بحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، الذي كان يتزعمه الدكتور عبد الكريم الخطيب.
انتخب ابن كيران نائبا ثانيا للأمين العام لحزب بعد مؤتمر استثنائي للحزب سنة 1996، قبل أن يتم تغيير اسم الحزب إلى حزب العدالة والتنمية سنة 1998، ويدخل غمار انتخابات البرلمان في نونبر 1999، لينال ابن كيران عضوية مجلس النواب، ويحافظ على مقعده البرلماني طيلة المحطات الانتخابية الموالية إلى أن تسلم رئاسة الحكومة.
ظل ابن كيران طيلة مساره السياسي وفيا لمنهجه المبنبي على الصدام والمواجهة المباشرة مع خصومه السياسيين والأيديولوجيين، وشكلت معركة إصلاح مدونة الأسرة لسنة 2004،واحدة من أشرس المعارك التي دخلها ابن كيران وحزبه، تطلبت تدخلا ملكيا، بعد الانقسام الحاد الذي عرفه المجتمع المغربي، كما واجه ميلاد حزب الأصالة والمعاصرة، الذي اتهمه بمحاولة الهيمنة على المشهد الحزبي والسياسي، وهو ما جعل قواعد الحزب تدفع به إلى قيادة حزب العدالة والتنمية في 2008 لينتخب أمينا عاما خلفا لسعد الدين العثماني، الرجل الهادئ.
واصل ابن كيران الجدل عندما رفض خروج حزبه إلى الشارع والمشاركة في احتجاجات المشاركة في حراك 20 فبراير 2011، معتبرا إياه “حراكا غامضا”، يجهل من يقف خلفه.
صال ابن كيران وجال خلال الحملة الانتخابية لسنة 2011، ونظم عشرات المهرجانات الخطابية، وأطلق النار في كل اتجاه ولم يلتف لانتقادات خصومه ووضع نصب عينينه الانتخابات، ليحصد حزبه الأخضر واليابس ويصل إلى الحكومة سنة 2012.
أعاد ابن كيران المواطن المغربي إلى متابعة السياسة بفضل خطابه البسيط المفهوم لدى الجميع، وحول قبة البرلمان إلى ساحة مواجهة مع المعارضة، وخلق جدلا واسعا بسبب تصريحاته المهادنة أحيانا للوبيات الاقتصادية أو المنتقدة للمعارضة والنقابات.
استطاع ابن كيران أن يرسم حدودا فاصلة مع المؤسسة الملكية والقصر، يقول إنه “جاء ليخدم بلده بالتعاون مع الملك ولم يأت للتنازع مع الملكية، مؤكدا أنه لا يقبل مناقشة موقف الحزب من الملكية، لكن، لا يمانع في انتقاد سياسة الدولة وأن الملك يمكن أن يخطئ، لأنه إنسان، لكن الانتقاد يجب أن يكون باحترام وتوقير للمؤسسة الملكية، التي يعتبرها الضامن لوحدة المغرب واستقراره، وأنه لا يجب المساس بمشروعيتها.
بعد نهاية ولايته الأولى في سنة 2016، توقع خصوم ابن كيران أن تتراجع شعبية الحزب، بسسب قرارات وصفت بأنها ” لاشعبية ” وتحرير قطاع المحروقات والفشل في محاربة الفساد، لكن دهاء ابن كيران وحنكته السياسية وقراءته للمشهد الحزبي، جعلته يخرج وحزبه منتصرا من معركة الانتخابات، ليست فقط من خلال الحفاظ على المرتبة الأولى، بل أضاف مقاعدا جديدة لحزبه، في سابقة في تاريخ المغرب، لينتقل عدد نواب حزب من 102 في سنة 2011، إلى 125 في سنة 2016، واستطاع تسيير كبريات المدن.
هذا الصعود الصاروخي لشعبية الحزب، جعل أحزابا تتكتل لوقف زحف ابن كيران ليفشل في تشكيل الحكومة الثانية، الأمر الذي عجل بإعفائه، لكن ظل حاضرا في النقاش السياسي ومشاركا فيه من خلال تصريحات خلقت نقاشا واسعا وحادا أحيانا، بلغت انتقاد الحكومة التي يقودها حزبه، برئاسة سعد الدين العثماني.
واصل ابن كيران الجدل، عندما رفض حملة المقاطعة التي أطلقها نشطاء فيسبوكين ضد غلاء الاسعار، في سنة 2018، وهاجم الحكومة التي يقودها حزبه، بعد تمريرها لمجموعة من القوانين كالقانون الإطار لإصلاح التعليم، وهو ما عرف بقانون فرنسة التعليم، واصفا إياه “أضحوكة الزمان”، بل وصلت نيران هجومه إلى قيادات الحزب نفسه، و هدد بمغادرة الحزب وأنه لايشرفه الانتماء لحزب لا يدافع عن اللغة العربية
وصلت الخلافات مع حزبه إلى حد تجميد عضويته ومقاطعة قيادات الحزب بعد إحالة الحكومة لمشروع تقنين القنب الهندي على مجلس النواب، كما دافع ابن كيران عن حزبه بعد توقيعه اتفاق التطبيع مع إسرائيل، قائلا “الذي يمضي اليوم في التطبيع مع إسرائيل هو الدولة التي يسيرها الملك وليس الحزب”، مطالبا سعد الدين العثماني بالاعتذار بعد توقيعه هذا الاتفاق.
والمثير للاهتمام أن ابن كيران، الذي يزداد قوة وشعبية مرة أخرى بسبب استثماره الجيد لأخطاء الحكومة وضعف الخصوم السياسيين وإيمان قواعد حزبه بقدرته على إدارة النقاش، ظل صامدا رغم الرياح العاتية التي واجهها، بل استطاع أن يعيد للحزب بعضا من حيويته، وهو ما يجعله مرة أخرى تحت أضواء الكاميرات والمتابعة، قبيل التشريعيات المقبلة.
قديم حسن
مدير نشر موقع الميدان بريس