صنع الله إبراهيم.. الرجل الذي صنع بالسخرية والمبادئ ظلا سياسيا وأدبيا كبيرا

عن عمر 88 سنة رحل صاحب “اللجنة” الشهيرة، الكاتب والروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم، صباح يوم الاربعاء 13 غشت (أغسطس) 2025 بأحد مستشفيات القاهرة بعد معاناة مع مرض التهاب الرئة.
بوفاة صنع الله إبراهيم تفقد الساحة الأدبية الناطقة والقارئة بالعربية واحدا من أهم الأدباء المعاصرين وأحد أبرز الرموز الثقافية والفكرية الذين اختاروا الانخراط في النضال السياسي والأدبي معا ضمن توجه مناهض للاستبداد والجهل.
وكان نصيبه في هذه المواجهة الاعتقال على عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في سياق القمع الذي طال قِوى اليسار المصري من طرف النظام الناصري، حيث انتمى الكاتب آنذاك للمنظمة الشيوعية المصرية (حدتو) وكان نصيبه خمس سنوات من السجن.
كما واجه سنوات من الحصار والتغييب قبل “الاعتراف به” وإعلان تتويجه بجائزة ملتقى القاهرة للرواية العربية سنة 2003 التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، هذه الجائزة التي قام برفضها انسجاما مع قناعاته السياسية، إذ اعتبر “الجائزة تمنحها حكومة تقمع شعبها وتحمي الفساد” وتواصل التطبيع مع دولة الاحتلال على الرغم من ما تعيشه القضية الفلسطينة من أوضاع. وهو الموقف الذي أثار ضجة كبيرة وقتها.
وحصل سنة بعد ذلك أي سنة 2004 على “جائزة ابن رشد للفكر الحر” التي تمنحها مؤسسة ابن رشد للفكر الحر ببرلين ” لمن قام بدور في دعم ونشر الفكر الديمقراطي الحر والديمقراطية والإبداع في البلاد العربية”.
كما فاز “جائزة كفافيس الأدب” سنة 2017 وهي “جائزة دولية تمنح للأدباء من مصر واليونان”.
وولد الأديب الراحل صنع الله ابراهيم سنة 1937بالقاهرة، بدأ مساره المهني كصحفي في وكالة الأنباء المصرية سنة 1967 بعد خروجه من السجن، ووكالة أنباء برلين الشرقية حتى عام 1971 كما درس التصوير السينمائي بموسكو والعمل على صناعة الأفلام وعاد للقاهرة عام 1974 في عهد الرئيس محمد أنور السادات. وتفرغ للكتابة عام 1975 .
ورغم جراح نظام عبد الناصر، بقي صنع الله إبراهيم يكِن العطف للتجربة الناصرية وبقي على يسار النظام السياسي المصري رغم المتغيرات التي عرفها رأس السلطة بمصر. وظل يعيش بالقرب من الناس ويتمتع بحبهم ويغمرهم بتواضعه وظله الكبير ويتقاسم معهم حرارة العيش والرفض للأزمات الاجتماعية والسياسية المستمرة التي تعيشها البلاد والمنطقة منذ عقود وانعكاساتها السلبية على الحالة العامة للناس/ المجتمع.
وتميز المشروع الروائي لصنع الله إبراهيم بالتوثيق الممتع والغرائبية والفجائية أحيانا التي تلامس الواقع الذي عمد إلى تصوير محطاته ورصد تطوراته الاجتماعية وتحولاته السياسية. فيما يشبه السعي لهدم الواقع وإعادة تشكيله وبناء وجود ببعد إنساني شاسع.
وتميزت نصوصه الروائية المتفردة غالبا بتقليص المساحات ورقيا واتساع مسافات الخيال والنبض والمعاني. وجمع بين التكثيف في التعبير والعمق والسخرية في النفاذ للشخوص والأحداث والمعطيات التي تزود بها القارئ والآفاق التي تفتحها.
ومن أعماله الروائية: إنسان السد العالي 1967، نجمة أغسطس 1973، اللجنة 1981، بيروت بيروت 1984، ذات 1992 (تم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني عرض في رمضان 2013 اسمه- بنت اسمها ذات)، شرف 1997 (وتوجد ضمن أفضل مائة رواية عربية)، وردة 2000، امريكانلي 2003، التلصص 2009، العمامة والقبعة 2008، الجليد 2009، برلين 69- 2014، رواية 1970- 2020. بالإضافة إلى عدة مجموعات قصصية قصيرة: أشهرها “تلك الرائحة” 1966 بالإضافة إلى قصص للأطفال ومؤلفات أخرى.
مقتطف من ملخص رواية “اللجنة”
“كان من واجبي لا أن أقف أمامكم وإنما أن أقف ضدكم !” من حقنا أن نصدق ما يقال عن هذه الزجاجة البريئة المظهر وكيف أنها تلعب دورا حاسما في اختيار طريقة حياتنا.. ورؤساء بلادنا وملوكها، بل والحروب التي نشترك فيها، والمعاهدات التي نوقعها”.
هكذا تحدث بطل “اللجنة” عندما وقف أمامها، متمسحا بها، قابلا لامتهاناتها، وللمهمة التى كلفته بها.. لكن البحث عن الدكتور قادة إلى اكتشافات كان من واجبي لا أن أقف أمامكم وإنما أن أقف ضدكم! ”
“من حقنا أن نصدق ما يقال عن هذه الزجاجة البريئة المظهر وكيف أنها تلعب دورا حاسما في اختيار طريقة حياتنا.. ورؤساء بلادنا وملوكها، بل والحروب التي نشترك فيها، والمعاهدات التي نوقعها”.
هكذا تحدث بطل “اللجنة” عندما وقف أمامها، متمسحا بها، قابلا لامتهاناتها، وللمهمة التي كلفته بها.. لكن البحث عن الدكتور قادة إلى اكتشافات مثيرة من وتفسيرات لألغاز أعيت الكثيرين مثل علاقة الملك خوفو السرية ببني إسرا…… ئيل، والعنة الجنسية، والتعصب الديني.. وعودة الكوكاكولا! كما قادته إلى جريمة ق……. تل.. وإلى مصير لا يخطر ببال أحد” ! .
رحال لحسيني
الجديدة (المغرب) 14 غشت 2025