الجسر الانساني المغربي.. التزام ملكي راسخ في مساندة الشعب الفلسطيني

منذ السابع من أكتوبر 2023، يعيش الشعب الفلسطيني معاناة متواصلة وأوضاعاً مأساوية، نتيجة حرب الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق أبناء قطاع غزة.
وقد بلغت الأزمة الإنسانية داخل القطاع ذروتها، حين وصلت إلى مجاعة حادة وفقاً للتقارير الدولية الصادرة من داخل غزة، وذلك في ظل سياسية ممنهجة لهندسة الفوضى والتجويع بحق أكثر من مليوني إنسان، جراء الحصار المطبق وإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى العالم الخارجي منذ شهر مارس الماضي، في تجسيد مادي للأعمال الوحشية المستمرة وجرائم الحرب التي تقترفها إسرائيل مع سبق الإصرار والترصد تجاه الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية على مرأى ومسمع العالم أجمع.
وفي إطار الجهود والمساعي الدولية للتخفيف من آثار الأوضاع الكارثية التي يعيشها أهالى القطاع، انطلقت موخرا مبادرة دولية تهدف إلى إيصال المساعدات الإنسانية عبر الجو بعيدا عن ما يسمى بنقاط توزيع المساعدات (مصائد الموت) المنتشرة في عدة نقاط في رفح وخان يونس ومدينة غزة والشمال، وتشرف عليها شركات أمنية أمريكية.
وإنطلاقاً من التزام المملكة المغربية الشريفة الثابت في دعم ومساندة الشعب الفلسطيني الممتد عبر العصور، وفي خضم هذه الأوضاع العصيبة، أصدر صاحب الجلالة الملك محمد السادس رئيس لجنة القدس، تعليماته السامية إلى الجهات المختصة، بالشروع الفوري في إقامة جسر جوي لنقل المساعدات الإغاثية والطبية العاجلة استمر على مدى أيام متواصلة، دعماً ونصرةً لأهلنا المحاصرين والمجوعين في قطاع غزة.
لقد جسدت هذه المبادرة الملكية السامية أرقى معاني الشهامة والنبل الإنساني، المستمدة من أصالة الشعب المغربي وعراقته، فكان جسر المحبة المغربي بارقة أمل في عتمة الحصار، ورسالة أخوة صادقة بعيدة عن ضجيج البروباغندا، وحسابات السياسة الضيقة، والاصطفافات الدولية المقيتة.
وما ميز هذه المبادرة الكريمة ليس سرعة الاستجابة ولا حجم المساعدات فحسب، بل إصرار المغرب على أن تصل براً إلى المستفيدين منها مباشرة، رغم تعنت الاحتلال ومحاولاته عرقلة وصولها إلى قلب قطاع غزة، إصرارا يرسخ نهج المغرب في ربط القول بالفعل، والدعم الميداني بالموقف السياسي الثابت، ويعكس مكانة المغرب وتأثيره في المنتظم الدولي، ويبرهن عمق الثقة التي يحظى بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لدى كل الفاعلين الإقليميين والدوليين في الشرق الأوسط، والاحترام الكبير الذي يحظى به من الشعب الفلسطيني، نتيجة عمله الدؤوب على إيجاد السبل الكفيلة بتخفيف التوترات وتبني مواقف معتدلة تمكن من خدمة الإنسانية أولا، وحفظ كرامة الانسان خاصة المواطن الفلسطيني القابع فوق أرضه التاريخية في قطاع محاصر مدمر ومجوع ثانيا.
هذه المبادرة الكريمة تأتي امتداداً للموقف المغربي التاريخي الراسخ في الدفاع عن الحق الفلسطيني في جميع المحافل والأوقات، لا من باب المزايدة أو الاستعراض، بل انطلاقاً من موقع المغرب الحبيب كرئيس للجنة القدس، ومن التزامه الأصيل تجاه فلسطين وشعبها، فقد جمعت الدبلوماسية المغربية عبر تاريخها، بين الفعل والقول المتزن، وبين الإغاثة العاجلة والدعم السياسي اللامحدود والغير مشروط.
إن هذا الجسر الجوي الممتد لعدة أيام عابرا طول البحر الأبيض المتوسط من أقصاه غربه الى شرقه كأطول مسافة جوية للإغاثة الانسانية، بما يحمله من رمزية وواقعية، يضع العالم أمام مسؤوليته الأخلاقية والتاريخية. فالقضية الفلسطينية، رغم كل محاولات التهميش والتصفية، ما تزال تكشف المواقف وتفرز الحقائق، وتفضح الشعارات والخطب الزائفة.
وفي هذا المشهد المشرف، يقف المغرب الحبيب شامخاً بانحيازه الأصيل للشعب الفلسطيني، ووفائه لعهد القدس، وحضوره الفاعل في إحياء المعنى حين يغيب المعنى.
وعليه، إن الجسر الجوي المغربي لم يكن مجرد شحنات من الغذاء والدواء، بل كان جسراً من المحبة والعطاء الكريم بث الأمل في قلوب أهلنا المحاصرين المجوعين المقهورين، وأدخل الطمأنية والسرور إلى قلوبنا جمعياً.
وفي الختام، يبقى الأمل قائم في أن تتوقف جرائم الحرب وتزول الغمة عن فلسطين وأهلها الكرام، فهذه المرحلة مرحلة مفصلية من تاريخ فلسطين المعاصر، لتبقى في أمس الحاجة إلى أي مبادرة أو فعل يروم كسر طوق الحصار، ويخفف من معاناة الشعب الفلسطيني الذي ذاق ومازال الويلات جراء سياسات الاحتلال اللاأخلاقية، ليكون الفعل المغربي الأصيل أصدق فعل يجسد عبق التاريخ وروح التضامن الأخوي الصادق.
ومن أعماق قلوبنا، نتوجه بخالص الشكر والعرفان لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، وللحكومة والشعب المغربي الأصيل على هذا العطاء السخي الذي يمثل حلقة في سلسلة عطاء متواصل ودعم ممتد لا ينقطع عبر الزمان.
بقلم/ الدكتور حازم مصطفى شملخ
الصفة : أكاديمي فلسطيني من غزة مقيم في المملكة المغربية الشريفة