نعيمة سميح.. غاب هلال المغرب

رحلت نعيمة سميح صاحبة الصوت الدافئ والبحة الذهبية عن دنيا الناس، تاركة إرثا فنيا خالدا تناقلته أجيال، رحلت صاحبة ياك آجرحي” ، وتركت جرحا كبيرا لدى محبيها، رحلت بعد أن حفرت أثرا لا يمحى من الذاكرة المغربية.
غنت سميح “جاري يا جاري” و”على غفلة” و”غاب علي الهلال” وغيرها من الخالدات، وهي الأغاني التي كبرنا معها وحفظناها ونحن أطفالا، وكنا نتغنى بها ونتسامر حولها، وشكلت جزءا من طفولتنا وذكريات تأبى أن تغيب أو تصبح من مشمولات المنسيات.
كتبت ضيفة الملوك اسمها من ذهب ونحتث مسيرة عظيمة تجاوزت حدود المغرب لتصل إلى مصر والمشرق العربي والخليج، وصارت من أعمدة الفن العربي.
رحلت سميح بعد أن دخلت كل بيوت المغاربة، وكانت مشاركتها في السهرات بمثابة أعراس ننتظرها على أحر من الجمر، ننتظرها إلى ساعات متأخرة من الليل بطلتها وهيبتها وحضورها الطاغي، غابت صاحبة الفن الهادف في زمن فن التفاهة. وشاركت في حفلات مولد الأميرات وأعياد الوطن ومثلت المملكة خير تمثيل في عدد من المهرجات العربية وكانت خير سفير للأغنية المغربية.
لم تكن سميح مجرد فنانة، بل كانت صاحبة صوت وحضور وكلمات تسبر أغوار العلاقات الإنسانية والاجتماعية والجوار وحب الوطن. شاركت في المسيرة الخضراء، بعد أن قطعت زيارتها إلى بيروت لتعود إلى المغرب، وتحفر اسمها ضمن الابطال المشاركين في هذا الحدث التاريخي.
نسجت سيدة الأغنية المغربية علاقات قوية مع القصر الملكي، واصبحت ضيفته باستمرار، إلى أن حصلت في العام 2007 على وسام الكفاءة الوطنية بمناسبة الذكرى السابعة لجلوس الملك محمد السادس على عرش المملكة.
تعاملت سميح، التي رأت النور في الدار البيضاء سنة 1954، مع كبار الملحنين والشعراء المغاربة أمثال عبد القادر الراشدي وعبد القادر وهبي وأحمد العلوي، وعلي الحداني وأحمد الطيب العلج.، ونالت عن جدارة واستحقاق لقب سيدة الأغنية العصرية في المغرب.
دونت اسمها كأصغر فنانة عربية وثالث مطربة عربية تغني على خشبة مسرح الأولمبيا الشهير في باريس عام 1977 بعد كل من أم كلثوم وفيروز، وأصبحت تحتل مساحات متزايدة الأهمية والحضور.
تميّزت بقدرتها على الوصول إلى كل شرائح المجتمع، وصولا إلى القرى والمداشر بفضل تميزها وموهبتها الآسرة، تجمع بين الاصالة والمعاصرة، وحافظت على حسها الطفولي ونزعتها الطفولية رغم كبر سنها.
لقد أكسبت نعيمة سميح الأغنية المغربية طابعا إنسانيا تجاوز الحدود، إذ أصبحت تردد خارج المغرب، وكتبت تجربة استثنائية، أكسبتها شهرة واسعة.
عانقناها عبر صوتها، فالصوت هو العناق الأول، وأول ما نفقده بعد رحيل شخص عزيز هو صوته، فقدنا صوتا عظيما، فقدنا قامة فنية كبيرة،
ورغم رحيلها في عيد المرة الأممي، ستظل سميح حية بفضل خالدتها النابضة بالحياة، تُلهم كل من يسمتع ويستمتع بها، وبفضل مواقفها الإنسانية.
رحلت نعيمة سميح كحلم أسعدنا ونحن أطفالا وكبرنا معه، ثم انطوى إلى الأبد، وبقي عالقا في الأذهان عصي على النسيان.
أكتب عن نعيمة سميح التي أحس بشيء داخلي تجاهها، فينتابني شعور الارتباط نحوها كأن فرد من العائلة، وحقا كانت كذلك.
رحم الله سيدة الأغنية المغربية والعربية
حسن قديم
مدير نشر موقع الميدان بريس