حين يسيء السياسي فهم دور الصحافة

من المؤسف أن نعيش في زمن ما يزال فيه بعض السياسيين ينظرون إلى الصحافي نظرة دونية، بل أحيانا عدائية. فالصحافة ليست أداة دعائية، ولا وسيلة لشراء الصمت. إنها سلطة قائمة بذاتها، دورها كشف الخلل، لا مدح الإنجازات المصطنعة. ومن المعيب أن يتحدث بعض من يسمّون أنفسهم “سياسيين” عن الأخلاق المهنية وهم يعجزون حتى عن كتابة خطاب خال من الأخطاء، أو لا يملكون أدنى تصور عن التوجهات الكبرى للدولة.

سياسيون يعتبرون الصحافي مجرد “طفيلي” يقتات على أزمات المؤسسات، أو “باحث عن المال” لا عمل له سوى إزعاج المسؤولين وخلق المشاكل. هذا الفهم القاصر لوظيفة الإعلام، ليس فقط إساءة للمهنة، بل مؤشر على هشاشة الوعي السياسي لدى البعض ممن يتصدّرون المشهد.

الصحافة ليست خدمة مدفوعة الثمن، ولا أداة ترويج رخيصة توزع على المقاس. هي سلطة رابعة، تقوم بدورها الرقابي والتوعوي، وتمارس حقها الدستوري المشروع في مساءلة من يتحملون مسؤولية الشأن العام. الصحافي لا يمن عليه بمعلومة، ولا يستأذن له في طرح سؤال، ولا يطلب منه أن يكون تابعا أو متواطئا.

الخلل الحقيقي ليس في الصحافي الذي يطرح سؤالا مزعجا أو يكشف خللا في مؤسسة، بل في ذلك السياسي الذي لا يتقبل النقد، ويعتقد أن منصبه حصانة ضد المساءلة. الأسوأ من ذلك، أن بعض السياسيين لا يعرفون حتى ما يجب أن يساءلوا عنه، لا يملكون رؤية، ولا مشروعا، ولا حتى لغة سليمة يواجهون بها الجمهور أو يكتبون بها خطابا دون أخطاء فادحة.

كيف نثق في سياسي لا يعرف توجهات الدولة الكبرى؟ كيف نأمن لمن يعتبر المؤسسة التي يسيرها ملكا شخصيا يفرض فيها الولاءات ويضيق على الأصوات الحرة؟ هؤلاء لا يسيئون فقط إلى مناصبهم، بل إلى صورة الدولة، وإلى الثقة في المؤسسات التي تبنى على أساس الشفافية والمسؤولية.

حسن قديم

مدير موقع الميدان بريس

مقالات ذات صلة