“سكانير تازة”.. الوجه الآخر للمغرب الذي يسير بسرعتين

 

في واقعة صادمة ومؤلمة، منح مستشفى ابن باجة بمدينة تازة موعدا لإجراء فحص “السكانير” لسيدة مريضة بعد عامين من تاريخ طلبها، أي في سنة 2027. هذا الخبر لم يمر مرور الكرام، بل خلف موجة من الغضب والاستياء على مواقع التواصل الاجتماعي، وأعاد إلى الواجهة النقاش حول واقع المنظومة الصحية في المغرب، في ظل شعارات الإصلاح والتغطية الصحية.

القصة ليست حالة معزولة. السيدة نفسها، حسب رواية ابنها، بدأت رحلتها مع المستشفى منذ سنة 2013 أو 2014، عندما بدأت تعاني من آلام على مستوى العين. ومنذ ذلك الحين، وهي تتنقل من موعد إلى آخر، دون أن تجد تشخيصا دقيقا أو علاجا ناجعا، إلى أن تمت إحالتها سنة 2018 من طرف المستشفى الإقليمي على المستشفى الجامعي بفاس، وهناك استمر المسلسل نفسه من الانتظار، قبل أن تجرى لها عملية جراحية في حدود سنة 2020. وهنا نتحدث عن سبع سنوات من التنقل، والألم، والمواعيد المؤجلة.

اليوم، وبعد ما يقارب 12 سنة من بداية معاناتها، تعود نفس السيدة لتمنح موعد “سكانير” بعد عامين إضافيين. السؤال المؤلم هنا: ماذا لو كانت حالتها استعجالية؟ ماذا لو كان الفحص مبكرا سينقذ حياتها أو يمنع تطور المرض؟ ثم، كم من مواطن في المغرب يعيش هذا السيناريو دون أن نسمع عنه شيئا؟

في الرباط أو الدار البيضاء أو مراكش، قد لا يضطر المواطن إلى الانتظار أكثر من بضعة أيام أو أسابيع لإجراء نفس الفحص، وفي بعض الأحيان يمكن إجراؤه في اليوم ذاته في مصحات خاصة لمن يملك القدرة على الدفع. أما في مدن الهامش، مثل تازة أو كرسيف أو زاكورة، فالمواطن يضطر أن ينتظر سنة أو سنتين، وأحياناأكثر، من أجل فحص بسيط قد يحدد مصير حياته أو موته.

هذا الفارق الفج في الولوج إلى الخدمات الصحية يكشف أن المغرب لا يتقدم ككتلة واحدة، بل بسرعتين أو أكثر. هناك مغرب يسير بسرعة التطور والانفتاح، تراه في البنية التحتية المتقدمة لبعض المدن الكبرى، وفي مبادرات الذكاء الاصطناعي والرقمنة، ومغرب آخر يسير بسرعة بطيئة، ثقيلة، ترزح تحت وطأة التهميش ونقص الأطر والتجهيزات والميزانيات.

صحيح أن المغرب أطلق ورش الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة، لكن هذه السياسات تصبح بلا معنى إن لم تواكبها إرادة حقيقية في إصلاح جذري للمنظومة الصحية. لا معنى لحماية اجتماعية تبنى على مواعيد مؤجلة وأجهزة معطلة ومواطنين ينتظرون الموت في صمت. ففي الوقت الذي ترصد فيه ميزانيات ضخمة لبناء ملاعب واستضافة كأس إفريقيا 2025 ومونديال 2030، يعجز مستشفى عمومي عن تقديم خدمة بسيطة في وقت معقول. فكيف نقنع المواطن أن بلده يتقدم، وهو يعامل بهذه الطريقة عندما يتعلق الأمر بحياته وصحته؟

طبعا، لا أحد ضد التنمية، أو ضد أن يحتضن المغرب تظاهرات كبرى تعزز صورته إقليميا ودوليا، لكن التوازن ضروري. فالمشاريع الكبرى لا يجب أن تكون على حساب الحقوق الأساسية للمواطن، وعلى رأسها الحق في العلاج. أي معنى للتنمية، إن كان المواطن لا يجد موعدا طبيا إلا بعد سنتين؟ أي جدوى من الملاعب الحديثة إن كانت المستشفيات لا توفر مواعيد معقولة لمرضاها، والأطر الصحية تهاجر ؟

الواقع الصحي في المغرب يحتاج اليوم إلى وقفة جادة، ومحاسبة حقيقية، وإرادة سياسية صادقة. فالمواطن المغربي يستحق نظاما صحيا كريما، يوفر له الحد الأدنى من الخدمات في وقتها، دون إذلال أو مماطلة.

إن المغرب اليوم بحاجة إلى عدالة مجالية حقيقية، لا تقوم فقط على تشييد مستشفيات جديدة (غالبا بدون تجهيزات ولا أطر كافية)، بل على استراتيجية جذرية تضمن التوزيع العادل للموارد الصحية والبشرية، وتمنح لكل مغربي ومغربية الحق نفسه في العلاج والرعاية، مهما كانت مدينته أو وضعيته الاجتماعية.

قصة السيدة التازية ليست استثناء، بل مرآة لواقع يومي تعيشه آلاف الأسر في صمت. وإذا كانت لنا الجرأة لنتباهى بتنظيم الكان وبناء الملاعب، فلنكن شجعانا أيضا لنقول: الصحة أولى… والكرامة لا تنتظر دورها في طابور المواعيد المؤجلة.

حسن قديم

مدير نشر موقع الميدان بريس

 

مقالات ذات صلة