الصحراء المغربية.. من رمال النزاع المفتعل إلى أرض الإجماع الدولي
اعتمد مجلس الأمن الدولي قرارا تاريخيا يشكل تحولا نوعيا في مسار تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية؛ إذ أعرب عن دعمه الكامل للأمين العام الأممي ولمبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء المفاوضات، استنادا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي. هذا الإنجاز ليس إلا ثمرة سنوات من الدبلوماسية المغربية الحكيمة، وليس مجرد خطوة سياسية، بل شهادة على حكمة القيادة المغربية، التي استطاعت عبر الدبلوماسية المتزنة والمتبصرة، أن تحول نزاعا مفتعلا دام لعقود إلى فرصة للتنمية والاستقرار، دون أن تدخل في شؤون الدول الأخرى، حتى مع من دعموا الانفصال في الماضي.
الدبلوماسية المغربية، بقيادة الملك محمد السادس، أثبتت أنها قادرة على الجمع بين الصلابة في الدفاع عن السيادة الوطنية، والمرونة في الحوار البناء، والقدرة على تحويل التحديات إلى فرص للتقدم والتنمية. وقد أكد الخطاب الملكي الاستثنائي، الذي ألقاه الملك محمد السادس، مباشرة بعد القرار الأممي، هذا النهج بوضوح. إذ شدد على أن المملكة لا تعتبر هذه التحولات انتصارا، ولا تسعى لاستغلالها لتأجيج الصراعات، بل تهدف إلى حل عادل لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف. كما دعا سكان مخيمات تندوف إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية للمساهمة في بناء مستقبلهم ضمن المغرب الموحد، مؤكدا المساواة الكاملة بين جميع المواطنين، سواء كانوا داخل المملكة أو عائدين من المخيمات.
على أرض الواقع، تتجلى قوة الرؤية الملكية في التحولات التنموية الكبرى التي شهدتها الأقاليم الجنوبية للصحراء المغربية. فقد تحولت هذه الأقاليم إلى ورش ضخم للاستثمار والتنمية، تشمل مشاريع في البنية التحتية، والطاقة المتجددة، والتعليم، والصحة، والسياحة، والطرق والموانئ. هذه المشاريع لم تغير وجه المنطقة فحسب، بل حولتها إلى منصة لجذب الاستثمارات الدولية، ومثال حي على قدرة المغرب على تحويل المناطق الحدودية إلى محركات للاقتصاد الوطني، وتعزيز مكانة المملكة في المحيط الإقليمي والدولي.
مبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي طالما كانت حجر الزاوية في الجهود الدبلوماسية للمغرب، نالت اليوم اعترافا دوليا واسعا، واعتبرتها القوى الكبرى والهيئات الدولية حلا جديا وواقعيا للنزاع المفتعل حول الصحراء. هذا الاعتراف الدولي يعكس مصداقية المغرب على الساحة العالمية ويجعله طرفا موثوقا به لحل النزاعات الإقليمية بطريقة سلمية ومستدامة، ويؤكد أن العقلانية والجدية هي سلاح المغرب الأقوى في الدفاع عن مصالحه الوطنية.
الانتصار الدبلوماسي للصحراء لم يكن مصادفة، بل نتيجة رؤية ملكية استراتيجية طويلة الأمد. فالقيادة المغربية لم تقتصر على الدفاع عن مصالحها وحدودها، بل مدت جسور الحوار مع دول الجوار، ودعت إلى حوار أخوي وصادق مع الجزائر لتجاوز الخلافات التاريخية، وبناء علاقات قائمة على الثقة وروابط الأخوة وحسن الجوار. كما جدد الملك التزام المغرب بمواصلة العمل لإحياء الاتحاد المغاربي على أسس التعاون والتكامل بين دوله، مؤكدا أن استقرار المنطقة لا يتحقق إلا بالتشارك والاحترام المتبادل.
هذه الرؤية الملكية المزدوجة، بين الدفاع عن السيادة الوطنية والانفتاح على الحوار، جعلت من المغرب صمام أمان في محيط إقليمي ملتهب. كما أثبتت أن القوة الحقيقية لا تأتي من الصراع، بل من القدرة على تحويل التحديات إلى فرص، ومن استخدام العقل والدبلوماسية والحكمة لتحقيق مصالح الوطن، مع احترام القانون الدولي ومبادئ العدالة.
الصحراء المغربية اليوم ليست مجرد مساحة جغرافية، بل أصبحت نموذجا حيا للتنمية المستدامة، والابتكار في المشاريع الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، والمواطنة المتساوية. فالمشاريع التنموية التي أطلقها المغرب في الأقاليم الجنوبية لم تحقق فقط تنمية اقتصادية ملموسة، بل ساهمت في تحسين جودة الحياة لسكان المنطقة، وجعلت من الصحراء وجهة للاستثمارات الوطنية والدولية، وأظهرت قدرة الدولة على إدارة الموارد بكفاءة وتحويل المناطق الحدودية إلى محركات للتنمية والاستقرار.
الانتصار الدبلوماسي الأخير يعكس كذلك قدرة المغرب على بناء تحالفات دولية واسعة ودعم قوى كبرى لمبادراته. هذا الاعتراف الدولي يعكس مدى احترام العالم للجدية المغربية، ويعزز من مكانة المملكة على الساحة الدولية، ويؤكد أن الحكم الذاتي المقترح ليس مجرد مقترح شكلي، بل رؤية متكاملة لحل النزاع المفتعل بطريقة عادلة ومستدامة، وتحفظ وحدة المغرب وسيادته.
وفي هذا السياق، يظل الخطاب الملكي الاستثنائي بعد القرار الأممي شاهدا على الحكمة التي تقود السياسة المغربية. فالتأكيد على الحل الذي لا غالب فيه ولا مغلوب، والمساواة بين جميع المواطنين، ودعوة المخيمات للمشاركة في تنمية وطنهم، هو دليل على أن القيادة المغربية لا تكتفي بالنجاحات الدبلوماسية، بل ترافقها برؤية إنسانية وتنموية شاملة، تجعل من كل إنجاز دبلوماسي فرصة للتقارب الوطني والاجتماعي.
الانتصار الدبلوماسي للصحراء المغربية هو رسالة واضحة للعالم: المملكة المغربية بقيادة الملك ليست مجرد دولة تحمي حدودها، بل قوة دبلوماسية وتنموية تساهم في الاستقرار الإقليمي، وتثبت أن الحكمة والصرامة والواقعية هي مفتاح الإنجاز. المغرب اليوم نموذج عالمي في الجمع بين التنمية الداخلية والدبلوماسية المتزنة، ويشكل منصة للاستثمارات ومرجعية للسلام والاستقرار في شمال إفريقيا والمغرب العربي.
الصحراء المغربية، بفضل رؤية الملك، أصبحت رمزا للانتصار الدبلوماسي والتنمية المستدامة، مثالا على قدرة الدولة على حماية مصالحها الوطنية مع احترام القانون الدولي، وتحويل التحديات إلى فرص حقيقية للنهضة والازدهار. هذا الإنجاز الملكي ليس مجرد فصل في التاريخ السياسي، بل رسالة أمل لكل المغاربة، ودليلا على أن القيادة الرشيدة والرؤية الإستراتيجية تستطيع تحويل الحلم إلى واقع ملموس، وبناء مستقبل مستدام لأجيال المغرب القادمة.
