حين تكتب “لوموند” عن الملكية في المغرب.. قراءة مغلوطة لتاريخ ثابت

في الوقت الذي ما يزال فيه المغاربة، ملكا وشعبا، يمضون قدما في بناء مغرب جديد، مغرب التنمية والسيادة والكرامة، تطل علينا صحيفة لوموند الفرنسية بمقال يحمل عنوانا استفزازيا: “أجواء نهاية فترة محمد السادس”. وهو عنوان لا يخلو من التحامل، والتأويل، بل والتنكر الصريح لحقيقة دامغة: الملكية في المغرب ليست مؤسسة عابرة، بل هي جوهر كيان هذه الأمة.

الصحيفة، التي لطالما تبنت خطابا مزدوجا تجاه المغرب، تتجاهل عمدا أن الملكية المغربية لم تكن يوما غريبة عن شعبها. على العكس، لقد كانت دائما نقطة التقاء المشترك الوطني، وضمانة للاستقرار في محيط إقليمي تعصف به الأزمات. العلاقة بين الملكية والشعب علاقة وجودية، تاريخية ووجدانية، رسختها ملاحم كبرى مثل ثورة الملك والشعب، عندما انتفض المغاربة ضد نفي الملك محمد الخامس، رحمه الله، وقدموا أرواحهم لاستعادة رمز السيادة الوطنية وعودته إلى عرشه.

في مقالها، اختارت لوموند أن تبني تصورا مشوها عن المرحلة، محاولة النفخ في ما لا يستحق، ومركزة على موضوع الحالة الصحية للملك محمد السادس، وكأنها تستند إلى فراغ. لكنها في الحقيقة تجاهلت المعطيات الرسمية الدقيقة والصريحة التي طالما وفرها الديوان الملكي نفسه، في إطار من الشفافية والوضوح تجاه الشعب المغربي. لم تكن الحالة الصحية للملك، يوما، طابوا أو سرا. بل كانت بلاغات القصر قنطرة تواصل مباشرة بين القصر والشعب، بشكل حضاري ومسؤول، يقطع الطريق على الإشاعات والمغالطات.

والمفارقة أن الصحيفة نفسها، التي تحدثت عن صحة الملك، سبق لها أن سلكت مسارا مغايرا تماما عندما تعلق الأمر بصحة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، الذي أصيب بمرض السرطان منذ ولايته الأولى عام 1981، وظل في الحكم رغم معاناته المستمرة طوال عهدتيه. ورغم الشائعات التي لاحقته، كانت لوموند تدافع بإصرار عن صحة الرئيس وتلتزم الصمت إزاء حالته الحقيقية. بل إن ميتران نفسه، حين سأله الصحفي جان-بيير إلكباش: “هل تتألم من المرض؟”، رد عليه بجفاف: “هذا ليس شأنك”، منهيا المقابلة دون أي محاولة للتبرير أو التوضيح. فأين كانت موضوعية لوموند حينها؟ وأين اختفى حرصها على “حق الجمهور في المعلومة”؟

ما تجاهلته الصحيفة الفرنسية بشكل فج، هو أن الملك محمد السادس يمارس صلاحياته الدستورية بشكل كامل، كما ينص على ذلك الدستور المغربي، من خلال ترؤسه للمجالس الوزارية، وافتتاحه لدورات البرلمان، واستقباله لرؤساء دول – ضمنهم الرئيس الفرنسي نفسه – كلها دلائل على حضور ملكي وازن، متواصل ومؤثر في سير مؤسسات الدولة.

إننا أمام محاولة فجة لصناعة واقع لا يمت للحقيقة بصلة، تتجاهل ما يلمسه المغاربة يوميا من قيادة ملكية رصينة، متفاعلة، وملتزمة بقضايا الوطن داخليا وخارجيا. ومن المفارقات أن منبرا فرنسيا يفترض فيه الحد الأدنى من الموضوعية، يعجز عن تغطية الأحداث بنزاهة، بل يستثمرها لتصفية حسابات أيديولوجية أو سياسية مغلفة في شكل “تحليلات صحافية”.

فهل كان حريا بصحيفة لوموند أن تتساءل عن “نهاية فترة”؟ أم كان أولى بها أن تحلل كيف صمدت الملكية المغربية أمام العواصف، وكيف استطاع المغرب، بقيادة محمد السادس، أن يتحول إلى فاعل إقليمي وازن، يتحدث من موقع الندية حتى مع القوى الكبرى، فرنسا نفسها نموذجا؟

إن التحولات التي شهدها المغرب، منذ اعتلاء الملك محمد السادس عرش المملكة المغربية، جعله فاعلا إقليميا مؤثرا وشريكا دوليا موثوقا فيه. فقد تبنى سياسة واضحة المعالم تقوم على الانفتاح الاقتصادي، والتعاون جنوب-جنوب، ومبادئ “رابح-رابح”، ما جعل منه نقطة جذب للاستثمار العالمي، وركيزة للاستقرار في المنطقة.

إن هذا الصعود أزعج بعض الجهات الدولية والإقليمية التي لم تستسغ تحرر القرار المغربي، واستقلالية مواقفه، ونجاحه في فرض توازن استراتيجي جديد في إفريقيا. كما أن الدور الأمني المتنامي للمغرب، بفضل أجهزته الفعالة وتعاونه الوثيق مع شركائه، زاد من ثقته الدولية، ورسخ حضوره كقوة استقرار في محيط مضطرب.

إن المغرب، اليوم، لم يعد فقط بلدا صاعدا، بل أصبح لاعبا حقيقيا في المعادلات الإقليمية والدولية، وصوته بات مسموعا، وهو ما يثير قلق من تعودوا على مشهد إقليمي هش وقابل للابتزاز.

لقد أخطأت لوموند العنوان والتقدير. فمحمد السادس ليس مجرد ملك، بل هو رمز لوحدة أمة ومشروع نهضوي مستمر. وإن كانت هناك نهاية ترتقب، فهي نهاية الخطاب الاستعلائي المتجاوز الذي لم يعد ينطلي على أحد، لا داخل المغرب ولا خارجه.

حسن قديم

 

 

مقالات ذات صلة