طلوع يكتب.. “مواطنون بلا حدود”

بقلم: د. عبد الإله طلوع – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

في زمن التحديات المتشابكة، لم يعد يكفي أن نحمل بطاقة وطنية لنكون مواطنين.

فالمواطنة اليوم لم تعد مجرد انتماء جغرافي أو إداري، بل أصبحت فعلًا واعيًا، وموقفًا يوميًا، ورغبة في الإصلاح والمشاركة والبناء.

أن تكون مواطناً حقيقياً، يعني أن تشعر بمسؤوليتك تجاه الوطن، لا أن تكتفي بالمراقبة من بعيد، أن تكون مواطناً بلا حدود، يعني أن ترى في كل شارع متسخ مسؤولية مشتركة، وفي كل مدرسة متعثرة سؤالاً عن العدالة، وفي كل قرار سياسي خاطئ، ضرورة لإصلاح المشهد.

إننا نخاطب الشباب، لأنهم ليسوا فقط “مستقبل البلاد” كما يُقال في خطب المناسبات، بل هم حاضرها إن قرروا أن يكونوا كذلك. نخاطبهم لأن الهروب من السياسة لا يعني زوال السياسة، بل فقط ترك المجال لغير الأكفاء، أو لمن لا يحملون سوى أجندات ضيقة.

هل نرضى بأن تبقى البلاد أسيرة الوعود الفارغة، بينما نملك طاقات شابة قادرة على إحداث الفارق؟ هل نقبل أن تتحول النقاشات السياسية إلى ساحة للتراشق بدل أن تكون مدرسة للتفكير في المصلحة العامة؟

المشاركة السياسية ليست فقط في التصويت، بل في التفكير، في التعبير، في طرح البدائل، في مراقبة الشأن المحلي، وفي الإيمان بأننا نستحق الأفضل، بشرط أن نشارك في صناعته.

لسنا مطالبين بأن ننخرط جميعاً في الأحزاب، ولكننا جميعاً مسؤولون عن من يحكم، وعن كيف يُحكم.

ولسنا مضطرين لتكرار نفس الأخطاء، ما دمنا نملك أدوات جديدة للفهم، وللنقد، وللتحرك.

“مواطنون بلا حدود” ليست دعوة للاغتراب، بل دعوة لتحرير مفهوم المواطنة من ضيقه القديم، من الخوف، من الانطواء، من اللامبالاة، دعوة لأن نكون في كل مكان من أجل الوطن: في الجامعة، في الحي، في مواقع التواصل، وفي صندوق الاقتراع. لأن الوطن لا يُبنى بالصراخ ولا بالفرار… بل بالوعي والالتزام.

فلنكن واضحين: لا أحد سيُنقذ هذا الوطن نيابة عنا. لسنا ضحايا، ولسنا عاجزين، فقط نحن بحاجة إلى قليل من الثقة، وكثير من الفعل.

مقالات ذات صلة