التاريخ العربي الإفريقي… سردية متشابكة

تمتد جذور العلاقة بين العالم العربي والقارة الإفريقية عبر حقب زمنية متعاقبة، تشكلت خلالها أنماط تفاعل ثقافي وحضاري فريد. هذه العلاقة المتشابكة تقدم نموذجاً حياً لتفاعل الشعوب وتأثير الجغرافيا في صياغة التاريخ.

في شمال القارة الإفريقية، تشهد الآثار والوثائق التاريخية على حوار الحضارات الذي سبق الفتح الإسلامي، حيث امتزجت التأثيرات الفينيقية والرومانية بالنسيج المحلي. جاء المد الإسلامي ليشكل منعطفاً حاسماً في المنطقة، إذ أعاد صياغة البنى الاجتماعية والثقافية عبر عملية تحول تدريجية اتسمت بالاندماج لا الإحلال.

أما في العصر الحديث، فقد واجهت النخب السياسية والإصلاحية معضلة التحديث بكل تعقيداتها. تباينت الاستجابات بين تبني النموذج الغربي جزئياً والسعي لإيجاد صيغ محلية توفق بين الأصالة والحداثة. هذه التجارب التنموية المتنوعة تكشف عن إشكاليات الهوية والتطور في ظل نظام عالمي متغير.

في عملي الموسوعي “التاريخ العام للدول العربية الإفريقية” الذي صدر في ثمانية مجلدات، سعيت إلى رصد التحولات التاريخية والحضارية التي شكلت وجه المنطقة. وقد تناولت في هذا العمل عشر دول عربية إفريقية، من مصر شمالاً حتى جزر القمر جنوباً، عبر منهجية تعتمد على تعدد المصادر والرؤى.

واعتمدت في هذا المشروع البحثي على مصادر أولية متنوعة اللغات، متجاوزاً النظرة الأحادية التي تهيمن عليها المصادر الغربية. حاولت من خلاله إبراز التفاعل بين العوامل الداخلية كالتركيبة القبلية والهوية الثقافية، والعوامل الخارجية مثل التأثيرات الاستعمارية.

وركزت في الكتاب على ثلاث محطات تاريخية كبرى:

  1. 1. المرحلة ما قبل الإسلامية، حيث تتبعت تشكل النسيج الحضاري عبر تفاعل الثقافات المصرية القديمة، الفينيقية، والرومانية.
  2. 2. مرحلة الفتح الإسلامي وما تلاه من عمليات تعريب وتأسيس لأنظمة حكم تزاوجت بين النمط الإسلامي والخصوصيات المحلية.
  3. 3. العصر الحديث، بتحليل تجارب التحديث منذ محمد علي حتى النظم الاشتراكية العربية، مع تسليط الضوء على إشكاليات نقل النماذج الغربية.

وقد واجهت خلال إعداد العمل تحديات منهجية، خاصة فيما يتعلق بتاريخ جيبوتي وجزر القمر، حيث تعذر الحصول على مصادر كافية. كما آسف لعدم التوسع في دراسة التفاعل التاريخي بين الصين والعالم العربي، وهو مجال يحتاج لمزيد بحث.

لقد سعيت في هذا المشروع الأكاديمي إلى وضع رؤية شاملة لتاريخ المنطقة، يتم التأكيد من خلالها على أن فهم الحاضر العربي الإفريقي بمقدوره استيعاب طبقاته التاريخية المتعددة وتفاعلاتها المعقدة. وهو جهد يسعى لأن يكون مرجعاً للباحثين، وخطوة نحو دراسات أعمق للعلاقات الحضارية في المنطقة.

 

أ.د. يوسف سراج مافوده

* باحث صيني متخصص في دراسات المنطقة العربية

 

مقالات ذات صلة