نزع الملكية: بين مقتضيات المنفعة العامة ومقتضيات الأمن القانوني للمستثمرين

تُعد نزع الملكية من أجل المنفعة العامة آلية مشروعة بيد الدولة لتفعيل السياسات العمومية، غير أنها متى خرجت عن إطارها الدستوري الضيق، تحولت إلى تهديد مباشر لحق الملكية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمشروعات استثمارية قانونية حظيت بموافقة السلطات نفسها.
تُسلط هذه المقالة الضوء على نازلة قانونية تثير إشكاليات دقيقة بشأن تعارض مسطرة نزع الملكية مع حق المستثمر في الأمن القانوني، وذلك في ضوء اجتهادات قضائية مغربية حديثة، وقراءة متأنية للفصول 1 و6 و35 من دستور المملكة المغربية لسنة 2011..
عرض النازلة
قام مستثمر باقتناء عقار بمدينة الدار البيضاء، وشرع في بناء فندق مصنف من فئة أربع نجوم، بعد استيفاء كافة التراخيص القانونية اللازمة من الجهات المختصة. وبينما كانت أشغال التشييد جارية، فوجئ برسالة صادرة عن والي جهة الدار البيضاء–سطات، موجهة إلى رئيس جماعة الدار البيضاء، تدعو المجلس إلى اتخاذ مقرر يقضي بنزع ملكية الأرض من طرف مجلس جماعة الدارالبيضاء ، بدعوى تخصيصها لإحداث مرفق عمومي محلي.
هذه النقطة تطرح إشكالًا قانونيًا محوريًا:
هل يمكن تغليب مشروع مرفق عمومي محلي على مشروع استثماري قانوني سبق أن حصل على الموافقة الرسمية من الإدارة نفسها؟
تحليل قانوني
1. انعدام المنفعة العامة الجدية
المنفعة العامة، كما أقرها الفصل 35 من الدستور المغربي، ليست مفهوماً افتراضياً، بل ينبغي إثباتها بشكل ملموس في كل حالة على حدة.
فمشروع الفندق محل النازلة يحقق قيمة اقتصادية، وسياحية، واجتماعية معتبرة، ويوفر فرص عمل، ويعزز الجاذبية الاستثمارية للمنطقة. وبالمقابل، كان بإمكان الجماعة الترابية إنجاز مشروعها في مواقع بديلة متاحة دون الحاجة إلى المساس بحقوق الغير.
وبالتالي، فإن غياب “المنفعة العامة الملحة” يجعل قرار نزع الملكية متعارضًا مع نص وروح الفصل 35 من الدستور، الذي لا يجيز المساس بحق الملكية إلا وفق شروط مضبوطة ومقيدة.
2. المساس بمبدأ الأمن القانوني
إن التراجع الإداري المفاجئ عن تراخيص سبق منحها يُعد خرقًا صريحًا لمبدأ الأمن القانوني الذي يشكل أحد أركان دولة القانون كما نص عليها الفصل 1 من الدستور.
فالمستثمر تصرف بحسن نية، وبناء على قرارات إدارية رسمية، بل واستثمر أمواله في مشروع منسجم مع السياسات العمومية للدولة. وتأتي مراسلة الوالي، في هذا السياق، كضرب لاستقرار المعاملات وثقة المواطن –وخاصة المستثمر– في تصرفات الإدارة.
الفصل 6 من الدستور بدوره يؤكد أن “الجميع، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمام القانون وملزمون بالامتثال له”، ما يعني أن الإدارة نفسها لا تملك التراجع عن قراراتها دون سند قانوني مشروع أو مسوغ استثنائي مؤسس.
العمل القضائي المغربي: اجتهاد حمائي للملكية
تشكل المحاكم الإدارية، وخاصة محكمة النقض، ركيزة أساسية لحماية الحقوق الدستورية، وفي مقدمتها حق الملكية الخاصة. وقد تكرّس في العمل القضائي المغربي توجه واضح نحو التصدي لقرارات نزع الملكية غير المعللة أو غير المستوفية لشروط المنفعة العامة.
🔹 محكمة النقض – القرار عدد 497/3 بتاريخ 25/06/2019:
> “المشروع الخاص المرخّص يجعل قرار نزع الملكية مخالفًا للقانون إذا لم تُثبت الإدارة وجود مصلحة عامة ملحة.”
🔹 محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش – القرار عدد 142/2017:
> “لا يجوز نزع ملكية عقار شرع صاحبه في استغلاله بطريقة مشروعة، إلا إذا ثبتت ضرورة قصوى.”
🔹 المحكمة الإدارية بالرباط – الحكم عدد 984/2018:
> “قضت بإلغاء قرار نزع الملكية بعد إثبات أن المشروع الجماعي كان ممكنًا إنجازه في موقع بديل دون المساس بحقوق المستثمر.”
هذه الأحكام تعكس التطبيق العملي للفصول 1 و6 و35 من الدستور، وتؤكد أن سلطة الإدارة ليست مطلقة، وأن القضاء الإداري يُعد صمام أمان لحقوق الأفراد والمستثمرين.
ختاما، إن نزع الملكية، رغم كونه آلية مشروعة لتحقيق التنمية، لا يمكن أن يتحول إلى أداة تهدد استقرار المشاريع القانونية، خاصة تلك المنسجمة مع التوجه التنموي للدولة.
وعلى الإدارة أن تستحضر التزاماتها الدستورية في احترام الحق في الملكية، والامتثال للقانون، والتقيد بمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة.
كما أن القضاء الإداري مطالب بمواصلة تكريس رقابته الصارمة على مسطرة نزع الملكية، حماية للملكية الخاصة، وترسيخًا لثقة المستثمر في دولة المؤسسات والقانون، وصونًا للأمن القانوني كشرط جوهري لجاذبية الاستثمار الوطني والأجنبي.
ذ. عبد الرحيم مستاوي