خصوصية المتقاضين أمام شهية النشر المفتوح

بين عفوية التفاعل، وحماسة التضامن، قد يغيب عنا في أحيان كثيرة أن بعض ما نفصح عنه، ونحن نحسبه خدمة للعدالة أو دعما لقضية عادلة، قد يفضي إلى انتهاك صريح أو ضمني لحقوق أخرى، لا تقل في جوهرها أهمية عما ندافع عنه. هذا ما كشفت عنه واقعة تداول قرار الاستعجالي صادر عن المحكمة بتاريخ 28 ماي 2025 في حق تلميذة تم تمكينها من اجتياز امتحان البكالوريا دورة ماي 2025 رغم عدم توفرها على بطاقة التعريف الوطنية، وهي قضية أثارت تفاعلا واسعا، وألهبت مشاعر المتابعين والمتخصصين على حد سواء .

لكن ما يدعو للتوقف، بل وللمراجعة، هو الطريقة التي تم بها تداول الوثيقة الأصلية للقرار، حيث نشر على منصات التواصل الاجتماعي بصيغته الكاملة، دون طمس لهوية المعنية، ولا حجب لما تضمنته من معطيات شخصية، في سلوك يتعارض مع أبسط مبادئ احترام الخصوصية، ولا ينسجم مع القواعد التي تضبط علانية الجلسات ومحدودية تداول الوثائق القضائية خارج السياقات الرسمية أو الأبحاث والدراسات الأكاديمية المحكمة.

المفارقة المؤلمة أن بعض من انخرطوا في هذا النشر ليسوا من العموم الذين يعذرون بجهلهم أو حسن نيتهم، بل من أهل الاختصاص والمشتغلين بالمجال القانوني، ممن يفترض فيهم تقدير أبعاد نشر المعطيات الشخصية وآثارها، وإدراك دقيق لما توجبه أخلاقيات النشر من التزام بواجب التحفظ وصيانة الكرامة الفردية، خاصة في القضايا المرتبطة بالقاصرين أو الحالات الاجتماعية الخاصة .

ولا يفهم من هذا النقد توجه إلى قمع حرية التعبير أو الحد من النقاش القانوني العام، بل هو دعوة إلى ترشيده وتعقيله، ليتم ضمن أطر ضامنة للتوازن بين العلانية التي تحمي الشفافية، والخصوصية التي تصون الأفراد من التشهير والانكشاف غير المبرر .

لقد بات من الضروري، في ظل تسارع تداول المعلومة وخفة النقرات، أن نعيد ترتيب أولوياتنا كمسؤولين في المجال، وأن نذكر أنفسنا، وعموم المهتمين، بأن حماية الحقوق لا تكون فقط برفع الصوت بها، بل أيضا بكتمان ما ينبغي كتمانه، وعدم الإضرار بأطراف قد يقضى لصالحهم في القانون، ويقضى عليهم في الرأي العام.

فليكن هذا الحدث فرصة للمراجعة، لا للاتهام، ودافعا لإعادة طرح سؤال ظل معلقـــا : من يضبط حدود العلنية في زمن لا حدود فيه للنشر؟

ياسيــن كحلـي

مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية

مقالات ذات صلة