“الاتحاد الاشتراكي… حين يُنتقد الحزب من داخل قلبه”

بقلم: الدكتور طلوع عبدالإله – كاتب رأي
تابعت باهتمام ما كتبه أخي في الحزب، الأستاذ حسن نجمي، بخصوص الوضع الراهن لحزب الاتحاد الاشتراكي. وكما تعوّدنا من مثقف بصير مثله، جاء كلامه محمولًا على نبرة الصدق، وشيئًا من الحنين، وكثيرٍ من الألم. لكن، وربما أيضًا، بشيء من القسوة غير المنصفة على حزبٍ لا يزال، رغم كل شيء، واقفًا… نابضًا… يشتغل.
أخي حسن،
الاتحاد الاشتراكي ليس جثة حزبية، ولا كيانًا مفلسًا يبحث عن شرعية ميتة، بل هو حزب حيّ، بنبض نسائه وشبابه وأطره ومثقفيه، وبنقاشات داخله لا يخشاها، بل يرعاها ويشجّعها، إننا لا نفتتح أبواب الحزب وقت الانتخابات فقط، كما تفعل دكاكين سياسية موسمية، بل نعيش داخله في نقاشات مريرة ومضيئة، نُختلف ونتجادل، وننتقد بعضنا البعض، لأننا ببساطة نحمل ذاكرة حزب حيّ لا يستحيي من طرح الأسئلة على نفسه.
أخي حسن،
النسق السياسي المغربي اليوم لا يرحم، المال الفاسد طغى على صناديق الاقتراع، وتحوّل إلى معيار “النجاح الانتخابي”، ووسط هذا الطوفان، بقي الاتحاد الاشتراكي واحدًا من الأحزاب القليلة التي لم تساوم على شرفها السياسي، ولم تفتح بواباتها لأصحاب الشيكات السمينة، ولا لأصحاب “الولاءات الإدارية”، ولم تُصادر قرارها الحزبي لصالح تعليمات ناعمة أو خشنة.
نعم، حزبنا ليس في أفضل حالاته، ونعترف بذلك بشجاعة، لكنه لم يسقط في الوحل، ربما نحن لا نتصدّر نتائج الانتخابات، لكننا لم نبع هويتنا، ولم نحُل لجاننا إلى أسواق نخاسة انتخابية.
أخي حسن،
كلنا يعرف كيف تُصنع الخريطة الحزبية اليوم في المغرب… تُصنع بالهاتف، والمال، و”السلطة الهادئة”، تُصنع باختطاف المناضلين من أحزابهم الوطنية، كما خُطف الكثيرون من الاتحاد نفسه، لا لقناعة فكرية، بل لحسابات انتهازية ووعود انتخابية مغشوشة، ومع ذلك، صمد الاتحاد، ولم يُغير بوصلته، ولا لغته، ولا وُجهته التاريخية.
الاتحاد الاشتراكي اليوم لا يشبه اتحاد سنوات السبعين أو الثمانين، وهذا طبيعي، فالأحزاب الحية تتطور، تتغير، تتفاعل مع محيطها، لكنها لا تنقلب على نفسها.
فالاتحاد بقي، رغم التحولات، محافظًا على جذوره، صامدًا في وسط ساحة سياسية تُدار أحيانًا بمنطق “المقاولة”، لا بمنطق المشروع.
وأنا مثلك، لا أرضى للاتحاد أن يكون مجرد ظلّ لتاريخه، أريده حزبًا مقاتلًا، مثقفًا، مستقلًا، أريده بيتًا مفتوحًا للأفكار لا للزبناء. ولكني، على عكسك، لا أرى أن الاتحاد انتهى، بل أراه في مخاض ضروري، يعيد فيه ترتيب بيته، ويُصقل فيه تجربته، ويستعد لزمن قادم نحتاج فيه إلى يسار عاقل ونزيه.
ختامًا،
أخاطبك كأخ لا كخصم. فحزنك حقيقي، وغضبك مشروع، لكن، لا تضعف أمام الموج.
الاتحاد سيعود، إن شاء الله، أقوى وأعمق، لا بالنوستالجيا وحدها، بل بالعمل الجاد، وبتحمل مناضليه لمسؤوليتهم التاريخية في البناء لا في النحيب.
الاتحاد الاشتراكي ليس حزبا ميتا… بل حزبا حيا، يتنفس بأسئلتنا، ويكبر بنقدنا، ويستمر رغم ما يُراد له.