محاولة لفهم الحرب الايرانية_الاسرائيلية

قبل ان نفتح قنوات البروباغندا ونستمتع بمقابلة عالمية بين المنتخب الإيراني والمنتخب الاسرائيلي وكأن الأمر تحول إلى مقابلة رياضية وليس حربا تخلف كل يوم ضحايا وخسائر وتنذر بمستقبل مرعب، وقبل استدعاء الجانب العقدي للإجابة على أسئلة ما يجري وهل هي إنذارات القيامة او اقتراب الانتقام الإلهي من المعتدين، تعالوا نفتح الخرائط المركونة جانبا وسط هذا الصخب الإعلامي، لنحلل الأحداث بطريقة أخرى.
هل تعلم أن إيران وروسيا تعتبر دولتين جارتين وحدوديتين لا يفصل بينهما سوى بحر قزوين بمسافة 700 كلم تقريبا، حيث تنتعش مبادلات تجارية وعسكرية كبيرة في موانئ الدولتين المطلتين على بعضهما في بندر أنزلي، أميرآباد، نوشهر من الجانب الإيراني، وفي مينائي أستراخان وماخاتشكالا من الجانب الروسي وهما الميناءين الذين يلعبان دورا استراتيجيا بالنسبة لروسيا إذ يمثل حلقة وصل رئيسية بين روسيا ووسط آسيا، والقوقاز، بالإضافة إلى كونه ممر الشمال–الجنوب الذي يربط روسيا بإيران ثم الهند حيث يسمى بطريق INSTC التجاري ذو الأهمية القصوى كممر تجاري يوازي في أهميته الاستراتيجية قناة السويس المصرية، هذا دون إغفال ما تحتويه تلك الموانئ من قواعد عسكرية للبحرية الروسية، التي تستخدمها لتمركز قواتها في بحر قزوين، لتشكل قاعدة انطلاق لمراقبة تحركات الناتو أو أي وجود غربي في بحر قزوين.
وهكذا فإنه من الواضح ان إيران تشكل جزءا من الأمن القومي الروسي وان سقوطها او انهيارها يعتبر بداية لمحاصرة المصالح الروسية على بحر قزوين، كما ان قطع الطريق التجارية الكبرى لوسط آسيا روسيا ايران الهند سيفتح المجال واسعا للمشروع الضخم “طريق حيفا” او ما يسمى بمشروع السكك الحديدية الإبراهيمية والذي يربط الهند بدول الخليج ومن ثم إلى ميناء حيفا المطل على البحر الأبيض المتوسط واوربا وهو المشروع الذي يسعى إلى تدمير قناة السويس وطريق INSTC الروسية الهندية وطريق الحرير الصينية ، ويحول اسرائيل إلى مركز العلاقات التجارية الدولية الرابطة بين اسيا وأوروبا بما يحولها إلى القوة التجارية والاستراتيجية الكبرى في العالم.
أما من ناحية أخرى فتعتبر الصين من الدول القريبة ايضاً من إيران اذ لا تفصل بينهما إلا بضع آلاف من الكيلومترات وتقف بينهما باكستان وافغانستان، وهو ما يجعل حرارة ما يقع في ايران يصل إلى الصين خصوصا من الناحية الاقتصادية على اعتبار ان الصين تعتبر المستورد الأول للبترول الإيراني المحاصر، كما يشكل هذا الأخير نسبة تقارب 15 % في المائة من حاجيات الصين لهذه المادة الحيوية في صناعتها وقوتها التجارية، كما يجعل الضربات التي تتلقاها مصافي البترول الإيرانية ضربات غير مباشرة للمصالح الصينية الاقتصادية والجيوسياسية على اعتبار ان ايران تشكل بالنسبة للصين قلب طريق الحرير التجاري لصناعاتها نحو الشرق الأوسط وأوروبا ووسط اسيا، الأمر الذي يعني ان إغلاق هذا المعبر والمنفذ سواء باسقاط النظام الإيراني او تعطيله ضربة قاسمة للتجارة الصينية وغزواتها نحو الغرب وهو ما سيشكل حصارا غير مباشر لمصالحها الاقتصادية والأمنية وتمهيدا لتحويل اسرائيل الممر التجاري الوحيد الرابط بين الشرق والغرب وهو ما سيحوّلها إلى القوى العظمى الأولى دون منافس.
امام هذه المعطيات يصبح من الواضح ان المعركة وان كان ظاهرها او عنوانها الظاهر تدمير المشروع النووي الإيراني إلا ان خلفياتها الحقيقية ذات بعد استراتيجي عالمي كبير، وهي بالتالي من الفصول التاريخية للصراع المحتدم بين الشرق والغرب حول من سيتحكم في العالم، بما يجعل المواجهة الكبرى شبه حتمية، ذلك انه من المستبعد ان تسلم الصين وروسيا بهذه الهزيمة الاستراتيجية كما ان الغرب وحلف الشمال الأطلسي من المستبعد ان يقف مكتوف الأيدي وهو ما يعني ان القوى التقليدية العالمية والنووية ستنهك بعضها البعض تمهيدا لبروز قوة جديدة تتحكم في العالم بأسره وليس العالم العربي من الخليج إلى المحيط فقط.
 إسحاق شارية
الأمين العام للحزب المغربي الحر

مقالات ذات صلة