فيصل القاسم إذ يحكي وأخنوش يتدرب على فن الخطابة!
هذه المرة، ظهر نجم «الجزيرة» فيصل القاسم في وضعية مختلفة لم يكن هو طارح الأسئلة الجريئة والمستفزة أحيانا، إذ تبادل الأدوار، فكان ضيفا على برنامج «أثير» الذي يقدّمه الإعلامي الكويتي شعيب راشد عبر الإنترنت. وعلى امتداد ثلاث ساعات بالتمام والكمال، شمل الحكي قضايا متعددة، من مرحلة الطفولة، وصولا إلى الإعلام والسياسة وغيرهما.
اللافت في تلك الحلقة أنها لا تبعث على الملل رغم طول مدتها، فهي تغري بإعادة المشاهدة مرات ومرات، لاسيما وأنها مفعمة بالبوح التلقائي وبالمواقف الإنسانية، وبالمعلومات التي يكشف عنها فيصل القاسم بكل صراحة حول طفولته وأسرته ومدرسته.
إنه ابن فلاح فقير معدم، كان يقطن في بيت طيني بالقرية، يتكون من غرفة واحدة، ولم يكن لديهم حمام مستقل، كما كانت الفئران منتشرة في كل مكان. يقول القاسم إن مرحلة المراهقة والشباب لديه انطبعت بقسوة وتعاسة، لدرجة أنه كان يعرض نفسه للعمل في ساحة «الكرامة» بالسويداء في سوريا، دون أن يظفر بذلك، مع أن أسرته كانت تريده أن يعمل.
كانت وجبات الأكل لدى أسرته لا تتعدى «مجدرة» (المكونة من العدس والأرز) يفطر بها ويتغذى ويتعشى بها، ولم يتلذذ باللحم سوى حين استطاع التسلل إلى معسكر كان يتدرب فيه بعض أبناء عمومته. كما ظفر هناك بالفواكه المتنوعة، لكنّ المسؤولين لم يوافقوا على التحاقه بالتدريب العسكري لصغر سنه.
وبمنتهى الصراحة، ذكر فيصل القاسم أن مستواه في الإعدادية كان عاديا جدا، وأنه في الثانوية ظلّ كسولا مهملا، لدرجة أن مدرّسا قال له مرة: «ماذا تعمل أنت هنا؟ اذهب اشتر صندوقا صغيرا واعمل ماسح أحذية في الشوارع.» ومحاولة لتأمين بعض المال عمل في الفرن، وأيضا في البناء، وهي تجربة وصفها بـ»القاسية».
ومضى يتحدث عن لباسه وشكله: كان سيئا جدا، ومهملا، لدرجة جعلته عرضة لسخرية أقرانه، إذ لم يكن لديه صديق، إلى أن تعرّف في السنة الأخيرة من الثانوية العامة على ابن «البيك» شيخ القرية، فصارا يدرسان معا، ويهيئان للامتحانات سويا، فكانت المفاجأة أن فيصل القاسم احتل المرتبة الأولى في نتائج «البكالوريا»، مما جعل أهالي القرية يقيمون له احتفالا باذخا.
وتطرق إلى بعض مواهبه التي نشأت معه منذ الطفولة، إذ تعلم العزف على الناي، وكان يتدرب على الإلقاء الإذاعي ويسجله على «كاسيت». كما تعرّفنا من خلال الحلقة المثيرة أن له أخا، هو مجد القاسم، يعمل مطربا في مصر.
وبذلك، أعطى فيصل القاسم صورة مغايرة تماما عن كثير من النجوم الذين يتنكرون لماضيهم التعس، ويسعون إلى تقديم صورة مشرقة عنه، قد تكون مخالفة للحقيقة في أحايين كثيرة!
أخنوش وأسطوانات الغاز!
يبدو أن الشغل الشاغل لرئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، هو البحث عن تحسين ظهوره في البرلمان ـ على قلته ـ وفي وسائل الإعلام. ومَن يشاهد مثوله أخيرا أمام البرلمانيين لتقديم حصيلة النصف الأول من الولاية الحكومية، يلاحظ أن الرجل تقدّم خطوات كبيرة في مجال التدريب على كيفية التحدث بطلاقة وثقة في الذات واستعمال الإيماءات وحركات اليدين. الشيء نفسه حدث عندما حاوره الإعلاميان جامع كلحسن وصباح بنداود في برنامج بُثّ على القناتين التلفزيونيتين المغربيتين.
لكن، لنفترض أن المُشاهِد أطفأ صوت التلفاز خلال الحوار وجعله في وضعية الصامت، مكتفيا بمشاهدة صورة رئيس الحكومة نفسه فسيدور في خلده أنه يقول كلاما مهما ومفيدا ومقنعا. بيد أن الاستماع لحديثه سيجعل المرء يكتشف أنه يردد لغة خشب و»كليشيهات» وكلاما فضفاضا.
وآية ذلك أن أخنوش وجد نفسه محرجا حين فاجأه جامع كلحسن بالسؤال التالي: «وأنتم تتحدثون عن إصلاح صندوق المقاسة ورفع دعم الدولة عن عدد من المواد الاستهلاكية، متى ستكون الزيادة في أثمان أسطوانات الغاز المنزلي؟» فتهرب أخنوش من الجواب المباشر، وعَوَّض الإحراج الذي وجد نفسه فيه بإطلاق ضحكة، ثم قال «أهم شيء عندنا هو إنجاح تطبيق نظام الدعم المباشر، لكي يكون المواطن مرتاحا وتسود الثقة.»
وبالموازاة مع فاتح مايو، عيد العمال العالمي، أقام الإعلام المغربي الزفّة للبشرى التي أطلقتها حكومة أخنوش، بالإعلان عن الزيادة في رواتب الموظفين على دفعتين. لكن، الظاهر أن الحكومة ستعطي بيد وتأخذ بيد أخرى، فالزيادة الموعودة في الرواتب تقابلها زيادات صارخة في أسعار مختلف المواد الاستهلاكية، مما يجعل المبالغ التي ستدخل إلى جيوب المواطنين تضيع في محاولة تلبية الاحتياجات الضرورية ذات الأثمان الباهظة، من مأكل وملبس وبنزين وضروريات البيت في الأثاث، ومواد النظافة والإصلاحات وغيرها.
ومن يستمع إلى أحاديث الوزراء هذه الأيام، سوف يتخيل أن المواطنين المغاربة مقبلون على ولوج «جنة أرضية»، بفضل الحكومة التي تزعم أنها حققت للشعب ما لم يتحقق منذ فجر الاستقلال في 1956. وبالتالي، لم تعد هناك حاجة للنقابات التي ترفع المطالب، ولا إلى الإعلام الذي يمارس دور النقد والتقويم. وليست هناك سوى نغمة واحدة، مفادها «قولوا العام زين»!
نبوءة «فوكوياما»!
وأمام التجييش الإعلامي والسياسي الذي قامت به الحكومة، مرّ الاحتفال بيوم العمال العالمي في المغرب خافتا وباردا، بلا مذاق ولا طعم، فتراجع دور النقابات العمالية وتضاءل صدى مهرجاناتها الخطابية، لدرجة أن الإعلامي المغربي إبراهيم بن حمو، تساءل: «هل تحقق تنبؤ فوكوياما؟» تلميحا إلى كتاب «نهاية التاريخ» للفيلسوف والعالم الأمريكي الشهير فرانسيس فوكوياما.
وكتب على «الفيسبوك» أن الاحتفال بعيد العمال العالمي الذي يصادف فاتح مايو شهد هذا العام على غرار السنوات الاخيرة خفوتا، وتجسد ذلك في تراجع أعداد المشاركين في المهرجانات الخطابية وتشابه الشعارات، الأمر الذي يؤكد أن ما ذهب اليه العالم والفيلسوف السياسي الأمريكي فوكوياما في كتابه الشهير «نهاية التاريخ» الصادر عام 1992 تحقق فعلا منذ اختفاء الثنائية القطبية بعد سقوط جدار برلين في 1989 .
وتابع إبراهيم بن حمو تدوينته «رحم الله أستاذنا العراقي زكي الجابر الذي كان يدرّس في المعهد العالي للصحافة في بداية التسعينات والذي كان يقول إن السياسة والفكر كانا في مرحلة القوة في خمسينات وستينات القرن الماضي، عندما كانت افكار اليساريين والليبراليين والإسلاميين تتقارع في الجامعات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فأعطت مفكرين ومنظّرين من قبيل: حسن البنا والطيب التزيني وحسين مروة وبعدهم فرج فودة وفي المغرب محمد عابد الجابري ومحمد شفيق وطه عبد الرحمن وغيرهم.»
ولاحظ أنه «في ظل ما تعيشه البشرية اليوم مع الطفرة التكنولوجية وسيادة الليبرالية المتوحشة وطغيان ثقافة الاستهلاك والفردانية والأنانية أينما وليت وجهك في العالم، فَقَدَ العمل السياسي والنقابي بريقه، بحيث لم يعد له طعم كما كان من قبل، ففتح المجال على مصراعيه للانتهازية والتفاهة لتسودا، ولكن إلى أين ستنتهيان؟»
الطاهر الطويل/ كاتب مغربي