الكلية متعددة التخصصات بتازة تفتح عهدا جديدا من التميز العلمي

تدخل الكلية متعددة التخصصات بتازة، التابعة لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، مرحلة جديدة من مسارها الأكاديمي مع انطلاق الموسم الجامعي 2025-2026، في سياق التحولات العميقة التي يشهدها قطاع التعليم العالي بالمملكة، حيث تحمل هذه المرحلة ملامح رؤية طموحة نحو الريادة والتميز، وترسخ موقع الكلية كفضاء أكاديمي منفتح ومساهم فاعل في التنمية الجهوية والوطنية والدولية.

فمنذ تأسيسها في شتنبر 2003، راكمت الكلية تجربة أكاديمية رائدة جعلت منها قطبا جامعيا استراتيجيا يخدم أقاليم تازة وجرسيف، حيث قدمت عبر أكثر من عقدين من الزمن تكوينا أكاديميا نوعيا في مختلف الأسلاك، من الإجازة إلى الماستر والدكتوراه، ضمن نظام بيداغوجي حديث يعزز الكفايات اللغوية والرقمية والمهارات الحياتية، ويؤهل الطلبة للاندماج في سوق الشغل ومواكبة تحديات العصر.

ويأتي الموسم الجامعي الجديد ليشكل محطة متميزة في مسار الكلية، مع تعيين الأستاذ الدكتور حسن تبيوي عميدا لها، في خطوة تؤشر على انطلاقة مرحلة جديدة من التطوير المؤسسي والارتقاء الأكاديمي، انسجاما مع التوجهات الوطنية التي أرساها المخطط الوطني لتسريع تحول منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار «PACTE ESRI 2030»، وكذا مشروع القانون 59.24 الرامي إلى بناء جامعة مغربية حديثة قادرة على المساهمة الفعلية في تحقيق التنمية الشاملة.

حيث شهدت الكلية، قفزة نوعية على مستوى الطاقة الاستيعابية والعرض التكويني، حيث استقبلت ما يقارب 11400 طالبة وطالب في سلك الإجازة، موزعين على 26 مسلكا ضمن 15 شعبة تغطي تخصصات مختلفة تشمل العلوم الحقة والعلوم الإنسانية والأدب واللغات والقانون والاقتصاد والتدبير، ويعكس هذا الإقبال المتزايد سنويا لعدد الطلبة المكانة المرموقة التي باتت تحظى بها الكلية، بفضل جودة تكويناتها الأكاديمية، وكفاءة أطرها البيداغوجية والإدارية، فضلا عن تجهيزاتها الحديثة التي تواكب متطلبات التطوير والتميز.

أما على مستوى سلك الماستر، فقد شهدت الكلية تطورا ملحوظا، إذ ارتفع عدد التكوينات المعتمدة بها من 7 إلى 15 تكوينا خلال الموسم الجامعي الحالي، وتشمل هذه التكوينات مجالات معرفية متنوعة تمتد من القانون العام والخاص إلى الدراسات العربية والفرنسية، والجغرافيا، والجيولوجيا، والاقتصاد، بالإضافة إلى مسارات للتميز في كل من سلك الإجازة وسلك الماستر في مجال الدراسات السياسية والدولية، وعلم السياسة والعلاقات الدولية، بما يعكس حرصها على الارتقاء بجودة التكوين وتعزيز تنافسية طلبتها على المستويين الوطني والدولي.

كما يواصل سلك الدكتوراه تعزيز مكانته البحثية ضمن جامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، حيث يضم 560 طالبا باحثا يشتغلون في إطار 7 مختبرات بحثية متخصصة، وتسهم هذه المختبرات في إنتاج المعرفة والابتكار بما يخدم أولويات التنمية المحلية والوطنية، ويعزز في الوقت ذاته إشعاع الجامعة على الصعيد الدولي، ويأتي هذا التقدم ليواكب تألق الجامعة ضمن أفضل 4 جامعات مغربية وفق التصنيف الدولي “تايمز هاير إديوكيشن 2026“، مما يعكس قوة بيئتها الأكاديمية وريادتها في مجالات البحث والتطوير.

على مستوى البنية التحتية، شهدت الكلية نقلة نوعية مهمة استجابة للارتفاع المتزايد في عدد الطلبة المسجلين ولمواكبة التطورات الحديثة في مجال التعليم الجامعي. فقد تم تعزيز الطاقة الاستيعابية للمؤسسة من خلال بناء مدرجين جديدين بسعة 400 و500 مقعد، ليصبح المجموع 10 مدرجات، مما يتيح ظروفا تعليمية ملائمة تضمن جودة التكوين وحسن تنظيم الأنشطة البيداغوجية.

وفي إطار تحديث الفضاءات التعليمية، تم تجهيز القاعات والمدرجات بـشاشات عرض حديثة، وأجهزة رقمية، وشاشات ذكية، فضلا عن الربط الدائم بشبكة الإنترنت، بما يواكب متطلبات التعليم الرقمي والتفاعل السمعي البصري بين الأستاذ الباحثين والطلبة، إلى جانب وسائل سمعية وبصرية متطورة تسهم في تنشيط العملية التعليمية وتحفيز الإبداع لدى الباحثين.

ولتحسين جودة الخدمات الإدارية المقدمة للطلبة وهيئة التدريس، شمل مشروع التطوير أيضا بناء أجنحة إدارية جديدة مجهزة بمكاتب حديثة، وقاعات اجتماعات، ومراكز استقبال وتوجيه للطلبة، بما يعزز فعالية التدبير الإداري ويسهم في تحديث الهياكل التنظيمية للمؤسسة ضمن رؤية شمولية تهدف إلى إرساء بنية جامعية عصرية ومستدامة، تدعم التوسع المؤسساتي المستقبلي، وتؤهل الكلية لتكون نموذجا متميزا في التعليم الجامعي على المستويين الجهوي والوطني.

وضمن رؤيتها الاستراتيجية، تعمل الكلية على تعزيز جودة التكوين من خلال تطوير مناهجها بما يتماشى مع المعايير الدولية، وإدماج المهارات الرقمية والذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، فضلا عن الرفع من كفاءة الطلبة في اللغات الرسمية والأجنبية، كما تسعى إلى تحسين مردودية سلك الإجازة عبر آليات المواكبة والتتبع البيداغوجي، وتشجيع الأنشطة الموازية الثقافية والفنية والرياضية، بما يجعل الحياة الجامعية مجالا متكاملا للتعلم والإبداع.

ويعد البحث العلمي محورا مركزيا في سياسة الكلية متعددة التخصصات تازة، إذ تعمل على هيكلة مختبراتها البحثية وفق أولويات وطنية وجهوية، وتشجع البحوث التطبيقية ذات الأثر المباشر على المجتمع والاقتصاد المحلي. وفي هذا السياق، تحفز المؤسسة أساتذتها الباحثين على الانخراط في مشاريع البحث والابتكار ضمن برامج دعم وطنية مثل PNARDIوالخوارزمي….، وتولي اهتماما خاصا بتثمين نتائج البحث ونقل التكنولوجيا، في انسجام مع المقتضيات الجديدة لمشروع القانون 59.24 الذي يتيح للجامعات إبرام شراكات لتسويق الابتكارات وتحويلها إلى مشاريع إنتاجية قادرة على خلق القيمة المضافة وفرص الشغل، كما تتجه الكلية نحو إحداث بنيات متخصصة في نقل التكنولوجيا وحاضنات للمشاريع المبتكرة لتعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

ويشكل الرأسمال البشري للمؤسسة، أحد أهم عناصر قوتها، إذ تضم الكلية 170 أستاذا باحثا مشهودا لهم بالكفاءة والخبرة، يؤطرون مختلف المسالك التكوينية والبحثية، إلى جانب 50 إطارا إداريا وتقنيا يسهمون في تيسير السير الأكاديمي والإداري اليومي.

كما تحرص المؤسسة على توسيع شراكاتها الوطنية والدولية، حيث أبرمت خلال هذه السنة 15 اتفاقية شراكة وتعاون مع جامعات دولية ومؤسسات عمومية وخاصة، بهدف تبادل الخبرات وتعزيز ملاءمة التكوين مع حاجيات سوق الشغل، وإطلاق مشاريع مشتركة في مجالات البحث والتطوير وريادة الأعمال.

وفي ظل الجهوية المتقدمة، تواصل الكلية ترسيخ تجذرها الترابي عبر الانفتاح على الجماعات الترابية والفاعلين المحليين، والمساهمة في تطوير برامج تكوينية تستجيب للخصوصيات الاقتصادية والاجتماعية لإقليم تازة وجهة فاس-مكناس، إلى جانب إجراء أبحاث ودراسات حول القضايا التنموية الراهنة. كما تسعى المؤسسة إلى ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة والشفافية في التدبير، وتعزيز المشاركة الفعلية لمكونات الكلية من أساتذة وطلبة وأطر إدارية في صنع القرار وتقييم الأداء المؤسساتي، بما يضمن الاستغلال الأمثل للموارد وتحقيق الأهداف المسطرة.

وتجدر الإشارة، أنه قد صادق مجلس الكلية على مشروع التقسيم الإداري للكلية متعددة التخصصات بتازة بتاريخ 23 يوليوز 2025، والذي ينص على إحداث أربع كليات جديدة، وهي: كلية العلوم التطبيقية، وكلية اللغات والأدب والفنون، وكلية الاقتصاد والتدبير، وكلية العلوم القانونية والسياسية. وقد أحيل هذا المشروع إلى مجلس التدبير بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس قصد المصادقة عليه، وذلك في إطار التنسيق مع التوجهات الإستراتيجية لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار. ويأتي هذا المشروع في سياق الرؤية الجديدة لإعادة هيكلة المؤسسات الجامعية برسم الفترة 2025-2026، ويحظى باهتمام بالغ من قبل الوزارة الوصية لما له من أهمية في تعزيز التخصص الأكاديمي وتطوير العرض التربوي والبحثي بالجهة.

وهكذا، تقف الكلية متعددة التخصصات بتازة اليوم على عتبة مرحلة جديدة من مسارها المؤسسي، مسلحة برؤية استراتيجية واضحة، وعمادة طموحة، وكفاءات بشرية مؤهلة، وإطار قانوني وتنظيمي متجدد، يؤهلها لترسيخ مكانتها كمؤسسة جامعية رائدة في خدمة التنمية الجهوية والوطنية.

مقالات ذات صلة