الشباب المغاربة في خيرونا: من قاصرين حالمين إلى سجناء ومرحلين     

تعيش فئة كبيرة من الشباب المغاربة في مدينة خيرونا (Girona) شمال شرقي إسبانيا أوضاعًا مأساوية، تعكس الوجه الخفي للهجرة غير النظامية. أغلب هؤلاء الشباب دخلوا إسبانيا وهم قاصرون، بعدما ذهبوا إلى “الوهم الأوروبي”، يطاردون حلمًا بالحياة الكريمة، قبل أن يجدوا أنفسهم في دوامةٍ من الضياع القانوني والاجتماعي.

من مراكز الإيواء إلى الشوارع

عند دخولهم التراب ألإسباني يتمّ إيداع هؤلاء القاصرين في مراكز حماية الطفولة التابعة للحكومات الجهوية خصوصًا حكومة كتالونيا

ورغم أن الهدف هو الرعاية والتأهيل، إلا أن الواقع في هذه المراكز غالبًا ما يكون بعيدًا عن التطلعات: اكتظاظ، ضعف الموارد البشرية، ونقص في المواكبة النفسية والاجتماعية.

ونتيجة لذلك، يترك عدد كبير من القاصرين هذه المراكز قبل بلوغهم سن الرشد، ليعيشوا في الشوارع أو يعتمدوا على المساعدات المحدودة التي توفرها الجمعيات المدنية.

بلوغ سن الرشد… بداية الانهيار

بمجرد بلوغ سنّ الثامنة عشرة، يفقد الشاب المغربي وضعه كـ«قاصر تحت الحماية»، ويُصبح مهاجرًا غير نظامي في نظر القانون الإسباني.

القانون الأساسي المنظم لهذا الوضع هو القانون رقم 4/2000 المتعلق بـ«حقوق وواجبات الأجانب في إسبانيا واندماجهم الاجتماعي»، والذي ينص على أن انتهاء الحماية يعني فقدان الحق في الإقامة القانونية ما لم يحصل الشاب على تصريح خاص قبل بلوغه سن الرشد.

لكن الواقع يُظهر أن أغلب هؤلاء الشباب لا يتمكنون من الحصول على أي وثيقة إقامة، لغياب الدعم القانوني أو المهني، فيُدفعون إلى الهامش الاجتماعي دون سكن أو عمل أو أمل.

من التهميش إلى الانحراف والسجون

في ظلّ انسداد الأفق، يلجأ بعض هؤلاء الشباب إلى أنشطة غير قانونية من أجل البقاء، مثل السرقة أو ترويج المواد الممنوعة. ومع مرور الوقت، تتضاعف المخالفات، فيجدون أنفسهم خلف القضبان.

تشير تقارير ميدانية لجمعيات كتالونية إلى أن نسبة مهمة من السجناء المغاربة في المنطقة هم من فئة الشباب الذين دخلوا البلاد وهم قاصرون، وغالبيتهم فقدوا كل روابطهم الأسرية والمؤسساتية.

الترحيل إلى المغرب… نهاية قاسية للوهم

بعد قضاء العقوبة، تُفعّل السلطات الإسبانية إجراءات الترحيل المنصوص عليها في المادة 57 من القانون رقم 4/2000، والتي تسمح بطرد الأجانب غير النظاميين أو من يشكّلون “تهديدًا للنظام العام”.

وتتمّ عملية الترحيل بالتنسيق بين الشرطة الوطنية الإسبانية والقنصليات المغربية، استنادًا إلى اتفاق التعاون الثنائي الموقّع بين الرباط ومدريد سنة 2007 بشأن إعادة القاصرين والمهاجرين غير النظاميين.

يُعاد هؤلاء الشباب إلى المغرب دون أي برنامج لإعادة الإدماج، وغالبًا ما يعودون إلى نفس الظروف التي دفعتهم إلى المغامرة، ما يجعل دوامة الهجرة والفشل تتكرر.

نداءات إنسانية وإصلاحات مؤجلة

تطالب الجمعيات الحقوقية في كل من المغرب وإسبانيا بتبني مقاربة إنسانية جديدة، تُراعي البعد النفسي والاجتماعي لهؤلاء الشباب، وتُؤسس لبرامج حقيقية للإدماج بعد سن الرشد.

كما تدعو إلى تفعيل المادة 92 من القانون الإسباني، التي تتيح تسوية الوضع القانوني للشباب القاصرين الذين أثبتوا حسن السلوك والإقامة الطويلة في إسبانيا.

في المقابل، يتحمل المغرب أيضًا مسؤولية تطوير سياسات اجتماعية واقتصادية تحدّ من دوافع الهجرة القاصرية نحو “الوهم الأوروبي”.

خاتمة

إنّ قصة الشباب المغاربة في خيرونا تختصر مأساة جيلٍ صدّق أن أوروبا هي الفردوس الموعود، ليكتشف لاحقًا أنها وهمٌ مكلف انتهى بهم إلى السجون أو الترحيل.

ما لم يتحرك الطرفان — المغرب وإسبانيا — لإصلاح هذا المسار المأساوي، ستظلّ طرق الهجرة تعجّ بقاصرين جدد يسيرون على خطى من سبقهم، بحثًا عن حلمٍ لم يوجد قط.

خيرونا 16 نونبر 2025
سلوى أنسي بشارة

رئيسة جمعية الريان
مترجمة محلفة و وسيطة اجتماعية لدى المحاكم

مقالات ذات صلة