من سردية الدولة الاجتماعية إلى حجاية حكومة المونديال
أو كيف تُعاد هندسة السردية الانتخابية بتضخم الخطاب الوعدي وتحييد المعارضة ؟

في خضم الحماسة الوطنية التي رافقت إعلان تنظيم كأس العالم 2030 بالمغرب، تحول المونديال من حدث رياضي إلى ورشة كبرى تختزل أحلام “المغرب الجديد”، ليس فقط على المستوى الرياضي، بل أيضًا على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن ما يلفت الانتباه في هذه السردية الرسمية هو تضخيم الخطاب الوعدي، حيث تُختزل التنمية في مشاريع كبرى مؤجلة النتائج، بينما يتم إسكات أي صوت نقدي تحت شعار “الاصطفاف الوطني”. وهكذا، يجد المغرب نفسه أمام مفارقة غريبة: الجميع يفكر في حكومة المونديال… ولا أحد فكر في المعارضة.
اولا : من حكومة المونديال إلى معارضة المونديال: إعادة تعريف الأدوار :
إذا كانت الدولة تستعد لتشكيل “حكومة المونديال” لضمان نجاح التنظيم، فإن السؤال الجوهري هو: أين موقع المعارضة في هذه المعادلة؟ لا ينبغي أن يكون دورها مجرد رد فعل أو معارضة مبدئية للحدث، بل أن تتحول إلى “معارضة بناءة” تراقب، تقترح، وتضمن أن لا يتحول المشروع إلى فقاعة إعلامية تخفي اختلالات الحكامة. لكن هذا الدور يتطلب معارضة قوية وموحدة، وهو ما يفتقده المشهد السياسي حالياً.
ثانيا : تأهيل المعارضة من الهشاشة والشتات إلى الوحدة والفعالية
أحد أكبر التحديات التي تواجه المعارضة المغربية هي هشاشة بنيتها وتشرذمها، مما يجعلها عاجزة عن لعب دورها الرقابي والتوازني. ولتصبح شريكاً فاعلاً في مشروع المونديال، تحتاج إلى:
1. التوحيد الاستراتيجي:
تجاوز الانقسامات الأيديولوجية الضيقة، والتكتل حول قضايا وطنية مشتركة مثل الشفافية والعدالة المجالية.
تشكيل جبهة معارضة موحدة، ولو مؤقتاً، لمراقبة استعدادات المونديال ومحاسبة الحكومة وافتحاص التفعيل المتدرج
2. التأهيل البرامجي:
تطوير خطاب بديل يركز على الإصلاحات الهيكلية (التعليم، الصحة، التشغيل) بدلاً من الاكتفاء بالخطاب الاحتجاجي.
تقديم مقترحات عملية لضمان إرث مستدام للمونديال، مثل تحويل الملاعب إلى مراكز تنموية بعد 2030.
3. الانفتاح على المجتمع المدني:
التحالف مع جمعيات حقوقية واقتصادية لمراقبة تكلفة المشاريع وظروف العمال والحماية من الحوادث وتأمين التعاقدات الشغلية.
خلق قنوات اتصال مع المواطنين لجمع الانشغالات المحلية وطرحها في النقاش العام.
تكوين الجمهور وتأطير الفرجة بالمواطنة وحب الوطن .
4. الرقابة البرلمانية الفعالة:
استغلال الآليات الدستورية (أسئلة شفوية، لجان تحقيق) لمحاسبة الحكومة على إنفاق المال العام.
المطالبة بجلسات مساءلة علنية حول تقدم الأشغال المرتبطة بالحدث.
ثالثا : الخريطة الانتخابية وتحييد العقل الأمني: تساؤلات مشروعة
في سياق التحضير لمونديال 2030، يُطرح سؤال مقلق حول التقطيع الانتخابي وحياد الدولة في رسم خريطة التمثيل الديمقراطي. إذ لا يمكن تصور انتخابات نزيهة تُفرز نخبًا قادرة على مساءلة حكومة المونديال، في ظل خريطة انتخابية يُعاد تشكيلها غالبًا بمنطق التحكم لا التوازن، وتُدار بمنظور أمني لا مدني. فالعقل الأمني، حين ينخرط في هندسة الحقول السياسية عبر التقطيع والمراقبة، لا يراعي بالضرورة سلامة التمثيلية أو العدالة المجالية، بل يغلب عليه هاجس الضبط والسيطرة على النتائج المتوقعة. وهنا تتبدى المفارقة: كيف نبني ديمقراطية تستحق مونديالًا عالميًا، بينما لا نملك معارضة نابعة من إرادة حرة، بل من خريطة مُحكمة مسبقًا؟
رابعا : المعارضة ليست ترفاً، بل ضمانة للديمقراطية
الخطر الحقيقي ليس في وجود معارضة ناقدة، بل في غيابها أو تحولها إلى ديكور سياسي. فالتجارب الدولية تثبت أن المونديالات الناجحة هي تلك التي تخضع للمساءلة الديمقراطية. في ألمانيا (2006)، على سبيل المثال، نجح الحدث لأن المعارضة والمجتمع المدني شاركا في المراقبة منذ البداية.
خاتمة: الوطنية هي المساءلة قبل التهليل
إذا كانت “حكومة المونديال” تمثل الوجه الإداري للحدث، فإن “معارضة المونديال” يجب أن تمثل ضميره النقدي. لأن المغرب لا يحتاج إلى استاداته فقط، بل إلى ديمقراطيته أيضاً. والوطنية الحقيقية ليست في التطبيل لكل قرار، بل في الجرأة على السؤال: كيف سنستفيد جميعاً من هذا الحدث، وليس كيف سننجح في تنظيف واجهته فقط؟
مصطفى المنوزي
منسق ضمير الذاكرة وحوكمة السرديات الأمنية