من الفضاء الرقمي إلى الفعل الأكاديمي: “الشبكة الدولية للباحثين” تعلن انطلاقتها المؤسسية من مدينة سلا

 

 

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

في زمنٍ يتّجه فيه العالم نحو الرقمنة، ويُعاد فيه تشكيل المعرفة من خلال المنصات التفاعلية، اختارت “الشبكة الدولية للباحثين” أن تنتقل من مرحلة التواجد الافتراضي إلى فضاء الحضور الواقعي، مُؤسِّسةً بذلك لبنيةٍ أكاديمية جديدة تتجاوز منطق النشر الرقمي إلى دينامية علمية ذات أثر ملموس.

لقد شهدت مدينة سلا، بحر الأسبوع الماضي، لحظة فارقة في مسار هذه المبادرة الأكاديمية، حيث التأم ثلة من الأساتذة الجامعيين والباحثين من مؤسسات أكاديمية عريقة (جامعات مولاي إسماعيل، القاضي عياض، ابن زهر، ابن طفيل، عبد المالك السعدي، محمد الأول…) ومعاهد ومراكز بحثية معروفة وطنياً، ليضعوا اللمسات الأولى لتأسيس هذا الإطار العلمي، الذي أثبت حضوره في الفضاء الرقمي، وها هو اليوم ينتقل إلى الواقع بتصور علمي واضح وأهداف استراتيجية دقيقة.

فطوال ما يناهز أربع سنوات، شكّلت الشبكة منصةً رقمية حيوية، راكمت فيها زخماً معرفياً معتبرًا، وتابعت باهتمام الشأن العلمي الجامعي، مساهِمةً في خلق جسور تواصل بين الباحثين وتقريب المعلومة الأكاديمية من المهتمين والطلبة والممارسين.
صفحتها الرسمية على “فيسبوك” التي تتجاوز 28 ألف مشترك، ليست سوى أحد مؤشرات الحضور الرقمي المتفاعل، الذي أضحى علامةً فارقةً في المشهد الأكاديمي المغربي.

ويؤكد الأستاذ بدر بوخلوف، المنسق الوطني ورئيس الشبكة، أن لحظة التأسيس جاءت بعد تراكمات وتجارب أكدت الحاجة إلى تأطير هذا العمل داخل هيكل مؤسسي، بما يمنح له استمراريةً وفاعليةً أوسع، ويضيف أن الشبكة تستهدف منذ الآن تفعيل أنشطتها الميدانية والعلمية على المستويات المحلية والوطنية والدولية، من خلال عقد ندوات ومناظرات وأيام دراسية ودورات تكوينية ومحاضرات، حضورياً أو عن بعد، وفتح آفاق للتعاون مع مؤسسات جامعية ومدنية، وطنياً ودولياً.

لقد وضعت الشبكة لنفسها جملة من الغايات المركزية، يأتي على رأسها تشجيع البحث العلمي في الحقول القانونية والعلوم الاجتماعية، والانفتاح على التخصصات المتقاطعة، والعمل على إصدار مؤلفات وأبحاث جماعية في قضايا راهنة ومفصلية. كما تسعى إلى إحداث تراكم بحثي نوعي يُسهم في بلورة حلول موضوعية للإشكالات المجتمعية، وربط الجسور بين البحث الأكاديمي ومتطلبات السياسات العمومية وصناعة القرار.

وإدراكاً منها لأهمية الاستشارة العلمية والخبرة البحثية في مختلف المجالات، تؤكد الشبكة عزمها على أن تكون بيتاً معرفياً مفتوحاً أمام الباحثين الجادين والمؤسسات المهتمة، مسخرةً رأسمالها البشري المكون من كفاءات عالية التأهيل، لتنفيذ أبحاث ميدانية وتقديم المشورة العلمية، بما يخدم أهداف التنمية والمعرفة.

وعلى هذا الأساس، فإن “الشبكة الدولية للباحثين” لا تُقدِّم نفسها كمجرد إطار تنظيمي جديد، بل كفكرة مؤسِّسة لنموذج أكاديمي بديل، يُزاوج بين قوة الرقمنة وروح الفعل العلمي الواقعي، ويطمح إلى أن يكون فاعلاً حقيقيًا في الحقل الجامعي المغربي والعربي، ومنصةً استراتيجية للتفكير المشترك حول قضايا الساعة ومهام الباحث في زمن التحولات المتسارعة.

إن لحظة التأسيس لم تكن فقط إجراءً شكلياً، بل إعلاناً عن بداية جديدة لوعيٍ جماعي يربط بين المعرفة والمسؤولية، ويؤمن بأن البحث العلمي ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورةً مجتمعية.

مقالات ذات صلة