مقترح الحكم الذاتي من التفاوض إلى السيادة

على امتداد عقدين من الزمن، ظل مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب سنة 2007 يمثل أساس تفاوضي لحل النزاع المفتعل حول أقاليمنا الجنوبية. لكن مع تعاقب التحولات الدولية، هل تزعزع مقترح الحكم الذاتي ، و مع تغير موازين القوى إقليميا ودوليا، هل لازال التفاوض خيارا مطروحا مع باقي الأطراف ، أم تحول المقترح إلى واقع معترف به، لم يعد في حاجة إلى الأطراف المتنازعة حوله .. لانه اليوم يدعمه الزخم الدبلوماسي الدولي العظيم ، والتنمية الميدانية، والتحولات الديموغرافية والاجتماعية.
اليوم أمام المغرب فرصة نادرة لصياغة نموذج دستوري أحادي الجانب لتفعيل الحكم الذاتي، لا بوصفه عرضا تفاوضيا، بل باعتباره ممارسة سيادية نابعة من إرادة وطنية ومشروعية دستورية متجددة… فلا بد الانتقال من شرعية التفاوض إلى شرعية السيادة و التفعيل على أرض الواقع .
ففي ظل انسداد المسار الأممي، وتآكل مصداقية “البوليساريو” والجهات الداعمة لها، يطرح السؤال الجوهري نفسه: كيف يمكن للمغرب الانتقال من منطق التفاوض إلى تفعيل أحادي سيادي للحكم الذاتي ؟ هل يحتاج إلى هندسة دستورية جديدة مع معالجة التحديات الأمنية والديموغرافية التي يفرضها هذا المسار؟أم يحتاج نقل اختصاصات للجهات الثلاثة بالاقليم الجنوبية و كفى؟ أم نحتاج لجمعهم في جهة واحدة تنقل لها جميع اختصاصات المركز ؟ و كيف اصبح مقترح الحكم الذاتي في ظل المتغيرات الدولية الجديدة ؟ فأكيد أن موقع المغرب و موقفه من المقترح سنة 2007 ليس هو موقفه و موقع في 2025 ؟ !!! هذا ما سنخصص له محور أول.. و سنخصص محور ثاني للهندسة الدستورية الممكن .. و محو ثالث لموضوع العائدين … و محور رابع للمهاجرين الأفارقة ثم خاتمة .
أولا: الحكم الذاتي في سياق التحول الجيوسياسي
الاعتراف المتزايد بسيادة المغرب على صحرائه وصل إلى اعتراف ازيد من 32 دولة، منها من فتحت قنصلياتها بالعيون و الداخلة ، ناهيك عن دعم أمريكي و فرنسي و الماني و اسرائيلي وإسباني و خليجي كبير )، يؤكد انتقال المقترح من ورقة سياسية إلى خيار استراتيجي معتمد.
أضف إلى ذلك فشل 11 جولة تفاوضية خلال 17 عامًا، مقابل نجاح المغرب في بناء نموذج تنموي محلي، أغلق الباب عمليا أمام منطق التفاوض المشترك.
اليوم مقترح الحكم الذاتي لم يعد مطروحا للتفاوض، بل أصبح جاهز للتنزيل من طرف واحد، على قاعدة السيادة الوطنية.. فما علينا سوى التحرك بخطوات إلى الأمام . أولها هندسة دستورية للمقترح مع سؤال التفعيل .. و ثانيها معالجة أمنية ذكية للعائدين من مخيمات تندوف.. و ثالثها خلق فرص للمهاجرين الأفارقة و إشراكهم في التنمية.
ثانيا: الهندسة الدستورية للمقترح و سؤال التفعيل.
يتطلب التفعيل الأحادي لمقترح الحكم الذاتي إطار دستوري جديد ، يقوم على مبدأ الجهوية الموحدة، ويضع حد للتجزئة الإدارية الحالية. آليتان مركزيتان:
1. استفتاء تأسيسي وطني يفضي إلى تعديل دستوري يقر جهة واحدة موحدة للأقاليم الجنوبية.
2. نقل اختصاصات كاملة من المركز إلى الجهة الجديدة في مجالات:الإسكان ، التعمير ، التجهيز و النقل ،الفلاحة الصيد البحري، الطاقة، الاستثمار، والتعليم ، الصحة،الثقافة، الرياضة، و غيرها من القطاعات وفق قوانين تنظيمية ملزمة.
هذا التعديل ليس مجرد تغيير إداري، بل تتويج لمسار السيادة الواقعية، وتحويل الدستور من وثيقة تفاوض إلى أداة تنفيذ.
ثالثا: العائدون من تندوف و الحاجة إلى معالجة أمنية ذكية.
يمثل العائدون من مخيمات تندوف، خاصة العناصر ذات الخلفية العسكرية أو الإيديولوجية، تحدي أمني واضح ، فالمعطيات الرسمية تشير إلى أن 73% من عناصر البوليساريو مرتبطون سابقا بتنظيمات إرهابية، وأن غالبيتهم لم يولدوا على التراب الوطني.
الحل المقترح لمعالجة مخاطر عودتهم : إنشاء لجان تصنيف متعددة التخصصات (أمن، علم اجتماع، أنثروبولوجيا). إعادة دمج تدريجية ومشروطة للعائدين، مع عزل العناصر المتطرفة و إرسالهم إلى بلدانهم و عدم السماح بدخولهم للتراب الوطني فهم خطر على النسيج الاجتماعي المغربي .
رابعا: المهاجرون الأفارقة
يعيش المهاجرين الأفارقة بالأقاليم الجنوبية فرصة نمو متسارعة .. وخاصة المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء بمعدل (210% منذ 2018)، مما يفرض علينا إعادة التفكير في إدماجهم ضمن إطار قانوني واقتصادي متحكم فيه.
الإجراء المقترح: نظام “البطاقة إقامة مؤقتة مشروطة بعقد عمل، غير قابلة للتوريث أو التملك .. تحديد سقف التمثيل السياسي.. حصر المشاركة في المجالس المنتخبة على السكان الأصليين فقط .. مع تخصيص موطأ للمهاجرين الأفارقة .. بهذا يتحول وجود المهاجر من عبء ديموغرافي إلى رافعة إنتاجية، دون المساس بالسيادة الرمزية للمنطقة.
الخاتمة: نحو سياسة سيادية بالأمر الواقع
إن الديناميات الوطنية والدولية الحالية تجعل من التفعيل الأحادي لمقترح الحكم الذاتي أولوية استراتيجية وسيادية لم تعد قابلة للتأجيل … عبر خطة تبدأ بالتأسيس الدستوري عبر استفتاء وطني لتوحيد الجهات الجنوبية 2026 /2027 .. تم تصنيف العائدين لعزل العناصر الخطرة 2027-2030.. و إدماج المهاجرين .. وتوجيه النمو الاقتصادي الديموغرافي.
المغرب لم يعد في موقع العارض لمقترح تفاوضي .. بل أصبح في موقع الفاعل السيادي الذي يقرر مصير أقاليمه بيده … ويوظف دستور الدولة لخدمة الأمن، التنمية، والانتماء للوطن … القرار اليوم لم يعد رهين الخارج، بل أصبح مسؤولية وطنية داخلية عنوانها: السيادة لنا .. و الأرض لنا .. والدستور أداة لصيانة أرضنا و تزكية سيادتنا .
بقلم مدير المركز المغربي للقيم و الحداثة الدكتور عيدودي عبدالنبي