العدالة المجالية واستدامة التنمية: رسالة الملك لبداية مرحلة جديدة

جاء الخطاب الملكي الأخير ليعيد توجيه البوصلة التنموية بالمغرب نحو جوهرها الحقيقي: المواطن وكرامته. فقد أكد جلالة الملك، بوضوح، أن ثمار التقدم يجب أن تشمل كل المواطنين، في جميع الجهات والمناطق، دون تمييز أو إقصاء. هذه الرسالة ليست مجرد توجيه سياسي، بل إعلان عن بداية مرحلة جديدة في مسار التنمية، قائمة على العدالة المجالية، والاستدامة البيئية، وحكامة ترابية متقدمة.
العدالة المجالية… من شعار إلى التزام سياسي
لطالما شكلت الفوارق المجالية واحدة من التحديات الكبرى التي تواجه المغرب. ومن خلال هذا الخطاب، وضع الملك العدالة المجالية في صلب المشروع التنموي الوطني، باعتبارها شرطاً للاستقرار الاجتماعي والسياسي. إذ لن تتحقق تنمية شاملة إلا عبر تثمين الخصوصيات المحلية لكل جهة، وإطلاق مشاريع ملموسة تعيد الثقة إلى المواطنين في مؤسساتهم.
الجهوية المتقدمة كأفق للحكامة الترابية
أكد جلالة الملك على ضرورة اعتماد جيل جديد من برامج التنمية الترابية، يقوم على التكامل بين الجهات وتوحيد جهود مختلف الفاعلين. وهذه دعوة سياسية واضحة لتفعيل الجهوية المتقدمة التي نص عليها دستور 2011، وتحويلها من مجرد إطار قانوني إلى آلية عملية لتقليص الفوارق وتعزيز التضامن بين المجالات الترابية.
تنمية اقتصادية بعدالة اجتماعية
من أبرز رسائل الخطاب، ربط التنمية الاقتصادية بالتنمية الاجتماعية. فدعم التشغيل وتثمين المؤهلات الاقتصادية الجهوية، لا ينفصل عن تقوية الخدمات الأساسية، خاصة في مجالي التعليم والصحة، بما يحفظ كرامة المواطن. هذا الربط يعكس رؤية شمولية تعتبر الإنسان محور التنمية وغايتها في الوقت نفسه.
الاستدامة البيئية… رهان استراتيجي
التحديات المناخية، وعلى رأسها ندرة المياه، لم تغب عن الخطاب الملكي. فقد دعا جلالته إلى اعتماد تدبير استباقي ومستدام للموارد المائية، إدراكاً لأهمية هذا الملف في ضمان الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمغرب مستقبلاً. إدماج البعد البيئي في السياسات الترابية ليس خياراً تكميلياً، بل شرطاً لبقاء التنمية ذات أثر مستدام.
رسائل سياسية متعددة الأبعاد
للحكومة: مراجعة مقارباتها التنموية والانتقال نحو سياسات ترابية مهيكلة وفعالة.
للنخب المحلية والجهوية: تجاوز منطق التنافس الضيق والعمل بروح المسؤولية المشتركة.
للمواطنين: طمأنة بأن التنمية الشاملة والعدالة المجالية في صميم المشروع السياسي للمملكة.
خلاصة
الخطاب الملكي يمثل لحظة مفصلية في مسار التنمية الوطنية. إنه إعلان عن مرحلة جديدة تقوم على مشاريع متكاملة، وحكامة ترابية رشيدة، وعدالة اجتماعية ومجالية حقيقية. إنها دعوة صريحة لكل الفاعلين لتحويل البرامج والمخططات إلى نتائج ملموسة في حياة المواطن اليومية، وترجمة روح الجهوية المتقدمة إلى واقع يعيشه المغاربة في كل ركن من الوطن.
عبد الرحيم مستاوي