الملكية في المغرب.. الخيار الدائم

عادل الزبيري
حافظ المغاربة على امتداد قرون طويلة على الملكية كنظام حكم، وصل في بعض المراحل العريضة من التاريخ إلى مستوى السلطان وإلى مستوى الإمبراطورية، ولكن بقي الحاكم في كل السلالات، من الأمازيغ الأولين في موريتانيا الطنجية إلى الحكم العلوي، ملكا يسكن عاصمة الحكم، ويبسط نفوذه على جغرافيته السياسية، ويتسلح بجيش قوي، يحركه لإخماد كل تمرد أو لرد كل عدوان خارجي
بسط المغرب نفوذه تاريخيا على مناطق واسعة إفريقيا وفي الأندلس، وترك في كل مكان مر منه، عمارة وحضارة، وأثرا لكل الإنسانية، ما جعل المغرب التاريخي ممتدا، فاستحق الاحترام على أثره الإنساني الحضاري الجميل
واجهت الملكية في المغرب تحديا كبيرا مع مرحلة الحماية الفرنسية والإسبانية، وكما فعلت من قبل، صمدت بحكمة وتمكنت من المرور من المغرب المقسم إلى طنجة الدولية والمنطقة السلطانية للاستعمار الفرنسي، والمنطقة الخليفية للاستعمار الإسباني، لتخرج بالمغرب من الجهاد الأصغر للحصول على الاستقلال، إلى الجهاد الأكبر لبناء مغرب ما بعد الاستقلال
ففي لحظات تاريخية مغربية، من التحالف بين الحركة الوطنية وبين الملكية في المغرب، جرى الاتفاق على عيد وطني للملكية يحمل اسم عيد العرش؛ لأن الجد محمد الخامس اختار الاصطفاف إلى جانب شعبه وقواه الحية، من الوطنيين ضد الاستعمار الأجنبي الغاشم
دفع السلطان الجد الراحل محمد الخامس الثمن غاليا، بسبب اختياراته الوطنية، بأن نفاه الاستعمار الفرنسي إلى جزيرة مدغشقر، فصمدت الملكية المغربية من المنفى، ودافع المغاربة بدمائهم عن السلطان محمد الخامس، حتى بدأ المستعمر ينهار أمام إرادة أمة مغربية، تريد الانعتاق، ودخول عهد الحرية والاستقلال
تستحق ولادة عيد العرش في المغرب أن تروى بكل التفاصيل، وبكل الطرق الممكنة؛ من أجل أن يفهم المغاربة لماذا هذا العيد الوطني له أهميته الكبيرة في التاريخ الحديث المغربي، كأحد وجوه الاحتجاج السياسي الصريح ضد القوى الاستعمارية الأوروبية
فعلى عهد الملك المغربي الراحل الحسن الثاني، أخذ عيد العرش أشكالا جديدة وزاهية، ولكن لها جذور ضاربة في التاريخ، فالملك الجديد في وقته، أراد بهذا المغرب أن يكون مملكة تجمع بين العتيق والعريق وبين الانفتاح على العصر، خصوصا في النصف الثاني من القرن العشرين
فكان يوم الثالث من مارس من كل عام، عيدا وطنيا بارزا لكل المغاربة؛ تتوقف الحياة الاعتيادية، لتبدأ احتفالات المدارس، والمواكب في كل مدن وقرى المغرب، في توثيق للروابط بين الشعب المغربي وبين الملكية المغربية الضاربة في شرعيتها في أعماق جذور التاريخ
ومع العهد المحمدي للعاهل المغربي الملك محمد السادس، أصبح عيد العرش يأتي في الصيف، في الأسبوع الأخير من شهر يوليوز، وتحديدا في 30 من الشهر؛ فتتحول مدينة تطوان وجارتها المضيق، إلى عاصمة صيفية للمملكة المغربية الشريفة، وبطقوس عريقة جدا، لبست التجديد، وأصبحت مثار اهتمام وانبهار جماعي
وبسرعة كبيرة جدا، تنتشر مقاطع الفيديو على منصات التواصل الاجتماعي، لما يوثقه مواطنين بكاميرات هواتفهم المحمولة، للعاهل المغربي الملك محمد السادس يلوح بيديه للمواطنين المغاربة،، ولكل الأشكال الاحتفالية المغربية
تبقى الملكية المغربية الأقدم في العالم، ولأن العتيق يحتاج إلى صيانة في كل التفاصيل، تحافظ المؤسسة الملكية على كل تفاصيل إحياء صيفي سنوي لعيد العرش باعتباره احتفالية شعبية جماهيرية تجسد التلاحم بين الشعب وبين الملك
واختار العاهل المغربي الملك محمد السادس أن تبقى جميع تفاصيل الاحتفال كما ورثها عن والده العاهل الراحل الحسن الثاني، في رسالة إلى الربط بين مغرب البراق وبين المغرب العريق؛ الضارب في الأصالة
تستمد الملكية في المغرب شرعيتها التاريخية من تجديد البيع سنويا في حفل الولاء، في إعادة إنتاج لرمزيات اجتماعية عريقة، وجدت عند المغاربة قبولا، فيما جرى توثيق البيعة بطريقة عصرية من خلال دستور العام 2011
قرون من التاريخ
ومن التقاليد العريقة
ومن الفخامة في كل التفاصيل
أمة مغربية إفريقية ضاربة في الجذور
هذه أقدم ملكية في العالم
=
عيد عرش ملكي مغربي مجيد
للعاهل المغربي الملك محمد السادس