الإصلاحات الانتخابية المرتقبة: أي أفق فعلي لتعزيز تمثيلية النساء بمجلس النواب؟

د. حليم صلاح الدين
باحث متخصص في العمل البرلماني
يجب أن نؤكد بداية، أننا لسنا أمام وضع خاص او استثنائي، في سياق التوجيه الملكي الرامي لضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة للإنتخابات التشريعية “مجلس النواب”، و جلالة الملك حينما يوجه الى الاعداد للنصوص التشريعية يُعمل اختصاصه الدستوري، بالسهر على “حسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي” (الفصل 42 من الدستور)، الاختيار الديمقراطي بما هو ثابت من الثوابت الجامعة للأمة المغربية، وتأكيد جلالته على اجراء الانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري و القانوني العادي، لا يفيد الا الاحترام الصارم لرئيس الدولة المسؤول الأول عن حسن نفاذ العقد الاجتماعي بين الشعب و الدولة (الوثيقة الدستورية لسنة 2011).
نحن إذا أمام محطة دستورية وقانونية عادية، وسياق الاعداد لنص يحدد قواعد اللعب في مجال خاص (تمثيل الامة)، هو مؤشر واضح ودال على نضج التجربة الديمقراطية.
لكن دعونا نخوض من داخل هذا التوجيه الملكي، في التفاصيل التي فعليا وعمليا، تمارس بها ووفقها السياسة، على الأقل السياسة في موضوعنا من داخل مؤسسة مجلس النواب، ودعونا نسائل الآليات القانونية والتقنية المتاحة لتخليق الحياة السياسية ولتعزيز ولوج النساء للغرفة الأولى مجلس النواب. فهل نحتاج اليوم الى تعديل جذري للمنظومة العامة للانتخابات التشريعية “مجلس النواب” أم أننا امام محطة تحتاج فقط تقوية موقع وحضور النساء داخل المؤسسة النيابية، بما يذكي تمثيلية مختلف فئات المجتمع داخل البرلمان قلب الديمقراطية.
“التقدم العددي لتمثيلية النساء ومحدودية التأثير في ظل آليات التمييز الإيجابي”
تفيد المعطيات الإحصائية الرسمية أن تمثيلية النساء بمجلس النواب، برسم الولاية الانتدابية 2021/2026، هي 22,78 بالمائة، من خلال 90 مقعدا خصصه القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب كما جرى تتميمه و تغييره، عن طريق آلية اللوائح الجهوية، و 8 نساء فقط هن اللواتي استطعن ولوج الغرفة الأولى (مجلس النواب)، 02,62 عن طريق آلية الدوائر المحلية، 3 منهن لم يكن المرشحات الرئيسيات في الانتخابات التشريعية برسم الثامن من شتنبر 2021 ، بل ولجن في إطار الانتخابات الجزئية بعدما أقرت المحكمة الدستورية بشغور تلك المقاعد بعد مسار طويل من المنازعة الانتخابية في موضوعها.
إذا نحن أمام 98 امرأة داخل مؤسسة تتشكل من 395 مقعدا حسب المادة الأولى من القانون التنظيمي لمجلس النواب، 305 ينتخبون عن طريق الدوائر الانتخابية المحلية، و90 عضوا عن طريق الدوائر الانتخابية الجهوية.
ونعتبر انه من المفيد ان نشير الى أن المشرع حينما أشر على اللوائح الجهوية لم يخصصها حصريا للنساء، بل ألزم بتخصيص المرتبتين الأولى والثانية للنساء، الى جانب تخصيص ثلث مقاعد اللائحة الجهوية للنساء وهي التدابير التقنية التي حولت هذه اللائحة بشكل غير رسمي لكنه واقعي وعملي الى لائحة جهوية مخصصة حصريا للنساء. وهو الامر الذي أدى مباشرة الى إقصاء حظوظ الشباب الذكور من الاستفادة من هذا التمييز الإيجابي بعد إلغاء اللائحة الجهوية للشباب، وزاغ عن الأهداف الرئيسة لمشروع القانون كما أحيل على مجلس النواب و كما أعلنته الكلمة التقديمية لوزير الداخلية آنذاك : يقول وزير الداخلية في كلمته الرسمية حول الغايات النبيلة المتوخاة من هذه الآلية : “يجب أن تشمل كل لائحة ترشيح على أسماء مترشحات لا يقل عددهن عن ثلثي عدد المقاعد الواجب ملؤها في كل دائرة انتخابية جهوية، مما سيمكن من ادراج أسماء مترشحين ذكور ضمنها في حدود ثلث المقاعد (شباب، أطر ، أفراد الجالية …)، لم تفرز الانتخابات التشريعية برسم الثامن من شتنبر 2021، عبر آلية اللوائح الجهوية المرجو منها، لكنها رفعت عدديا بشكل (محتشم) من حضور النساء بهذه المؤسسة.
تعلن كلمة السيد وزير الداخلية في لقائه مع الأحزاب السياسية برسم الاعداد للمنظومة العامة للقوانين الانتخابية يوم السبت ثاني غشت الجاري، على رفع فرص ولوج النساء والشباب وتقوية حضورهم، وهو الشعار القديم الجديد الذي سبق للدولة أن أعلنته سياق الاعداد الانتخابات النيابية برسم سنوات 2011/ 2016، و2021، وهو المطلب المنتظر من الأحزاب السياسية التفاعل إيجابا معه في افق نهاية غشت الجاري، تاريخ نهاية أجل تقديم المذكرات و العروض السياسية في موضوع استحقاقات مجلس النواب المقبلة.
الضابط هنا بالنسبة لتمثيلية النساء هو تنصيص الفصل 19 من الدستور على: ” تمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية، والاقتصادية والثقافية والبيئية.”، الى جانب الفصل 30 الذي يؤكد على أنه: “وينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.“، أما الأمر الذي يطمئن هو عدم إمكانية التراجع على المكتسب المحقق لفائدة النساء المغربيات على مستوى حضورهن كمنتخبات بمجلس النواب (تقليص 90 مقعدا)، هو ما أكدته المحكمة الدستورية في قرارها رقم : 21/ 118، بمناسبة مراقبتها لدستورية القانون التنظيمي رقم 04.21 بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب كما وقع تغييره وتتميمه :
“ وحيث إنه، من جهة ثانية، فإن التدبير المتخذ من قبل المشرع، بسنه دوائر انتخابية جهوية، خصص ثلثي عدد مقاعدها لترشيحات نسائية، مع حفظ المرتبتين الأولى والثانية في كل لائحة ترشيح، للإناث دون الذكور، يخدم الغايات الدستورية المشار إليها، ويتضمن تمييزا إيجابيا لفائدة النساء، يبرره واجب النهوض بتمثيليتهن، في أفق تحقيق المناصفة بين الرجال والنساء، وهو الهدف المقرر بمقتضى أحكام الفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور، مما يقتضي أن يبقى هذا التدبير، في حدود الاستثناء من النظام الانتخابي العام ، وألا يتسم بصبغة الديمومة، وأن يحاط بضوابط كفيلة لتحقيق الأثر المتوخى منه، وألا يتجاوز في ذلك حدود الضرورة، وألا يتخلف، من حيث أهدافه، عما سبق أن سنه المشرع من تدابير، سعيا متواصلا إلى تحقيق مبدإ المناصفة المشار إليه، وعملا بمبدإ تطابق القواعد القانونية المتخذة مع الهدف المتوخى منها؛”
“ارتفاع التمثيلية النسائية لم يُترجم إلى تأثير ملموس في هندسة السياسات”
على مستوى مضمون الحضور العددي للنساء بمجلس النواب، في علاقته بتشريع النوع، او بمقاربة النوع التي يجب أن تظهر بشكل جلي على مختلف تفاصيل التشريعات الصادرة عن هذه المؤسسة، أليس الهدف الكبير وراء حضور النساء بالبرلمان هو تعزيز وتقوية موقع المرأة المغربية على مختلف المستويات، وعلى هذا المستوى إذا سائلنا بعض النصوص القانونية الرئيسة المتعلق بحقوق النساء، سنجد أن القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء لم يعرف أي تعديل في موضوعه طيلة الولاية التشريعية، بل لم يحدث أي تنسيق (يجمع نساء الأغلبية بالمعارضة) يسمح بإحداث الضغط النيابي اللازم لدفع الحكومة لإعادة النظر في عدد من مواده التي لم تعد تواكب التطورات الحاصلة على المجتمع في مقدمة ذلك العنف الرقمي الممارس ضد النساء و الفتيات ببلادنا، أما على مستوى مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي صادق عليه مجلس النواب في اطار القراءة الثانية، قُبيل اختتام الدورة الربيعية الأخيرة، فقد اختار تجميع عدد متفرق من المواد الحمائية للمرأة في المادة 41-1 المنصوص عليها في القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ومجموعة القانون الجنائي بهدف التيسير على الجاني سبل سلوك مساطر الصلح الزجري والتنازل في غياب أي اشتراطات أو ضمانات قانونية، مما من شأنه تحويل الإفلات من العقاب في جرائم العنف ضد النساء الى قاعدة عامة في السياسة الجنائية الوطنية . هل قُدمت تعديلات في موضوع هذا المادة، الجواب بعد الاطلاع على تقرير لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان في موضوع مشروع القانون المعني هو لا.
الى حدود كتابة هذا المقال لم تعلن مجموعة العمل الموضوعاتية المؤقتة حول “المساواة والمناصفة” بمجلس النواب عن مخرجات تقريرها، الذي سيشكل عرضه في جلسة عامة، فرصة للضغط وإحراج الطبقة السياسية، بتبني مخرجات لجنة برلمانية هادفة الى تحقيق المساواة والمناصفة ببلادنا.
لا فعلي للنساء بمجلس النواب، بدون تخليق الحياة السياسية، وبدون مدونة سلوك وأخلاقيات ملزمة كما طالب بها الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 60 لإحداث البرلمان المغربي، مدونة تتعدى النظام الداخلي لمجلس النواب، الى المنظومة العامة الانتخابية، هذا هو موضوع المقال المقبل.