بين الجابري والعروي وجسوس: أزمة الثقافة وبناء الذات في مغرب التحول

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع، باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب
حين نتابع النقاش العمومي في المغرب حول التحول الديمقراطي أو النموذج التنموي، نلاحظ شيئًا من القلق غير المعلن: ثمة فجوة تتسع بين المؤسسات والناس، بين النصوص والخطابات، بين الرغبة في التحديث والقدرة على تحمل كلفته الرمزية.
هذه الفجوة لا يمكن فهمها دون العودة إلى سؤال جوهري: أين نحن من مشروع ثقافي عميق يؤسس لذوات نقدية حرة؟
من هذا المنطلق، تبدو مقاربات عبد الله العروي ومحمد عابد الجابري ومحمد جسوس متقاطعة في رسم مشهد الأزمة: أزمة ثقافة، وأزمة وعي، وأزمة عقل.
بالنسبة لـ عبد الله العروي، فإن تأخرنا التاريخي لا يكمن فقط في السياسة أو الاقتصاد، بل في أننا “لم نحسم في الحداثة بوصفها منظومة معرفية وتاريخية”. وهو يعتبر أن الدول التي تَـبني الحداثة دون المرور عبر مشروع ثقافي عقلاني، تقع في فخ “الحداثة المزيفة”، أي التحديث في الأدوات لا في الذهنيات. لهذا، فإن الثقافة في رأيه هي الشرط السابق على التغيير السياسي، وليست نتيجة له.
أما محمد عابد الجابري، فقد قدّم تفكيكًا جذريًا للعقل السياسي العربي، مركزًا على أن الثقافة السائدة ما تزال تُنتج الطاعة لا التفكير، الامتثال لا النقد. وفي كتابه “العقل السياسي العربي”، بيّن أن كل مشروع ديمقراطي في العالم العربي، ومنه المغرب، سيتعثر إذا لم يسبقه “تحرير للعقل”، أي خلخلة البنيات الفكرية التي تشكل وعي الفرد والمجتمع.
في هذا السياق، تبرز مساهمة محمد جسوس كحلقة سوسيولوجية تعمّق هذا التحليل، فالثقافة بالنسبة له ليست نخبوية فقط، بل تتجلى أيضًا في حياة الناس اليومية، في رموزهم وقيمهم وعلاقتهم بالسلطة، ولهذا، اعتبر أن الشباب يعيش أزمة مزدوجة: تهميش اجتماعي، وتهميش رمزي. فلا هو حاضر في السياسات العمومية، ولا هو ممثَّل في الثقافة الجماعية الرسمية.
هذا الثلاثي الفكري لا يمنحنا فقط أدوات لفهم الأزمة، بل أيضًا إمكانيات للتفكير في البديل، فكل من الجابري والعروي وجسوس يؤكدون، بطرق مختلفة، أن المشروع الديمقراطي المغربي يحتاج إلى ثورة ثقافية: ثورة في التعليم، في الإعلام، في الفن، في القيم الرمزية، في اللغة ذاتها. فـ “السياسي” لا يمكنه أن يتحرك في فراغ ثقافي، وإلا تحوّل إلى لعبة نخب مفصولة عن المجتمع.
اليوم، يبدو واضحًا أن مشكلتنا ليست في نقص البرامج، بل في غياب الذات القادرة على حمل المعنى والتغيير. ولذلك، فإن إعادة الاعتبار للثقافة بوصفها مشروعًا وطنيًا مشتركًا هي المعركة الكبرى في مغرب اليوم.