التصوف العرفاني في المغرب تحت الحصار: بين استهداف الوصية الشرعية وتعزيز النمط التبريكي


تشهد الساحة الصوفية المغربية محاولات مدروسة لضرب التصوف العرفاني الحقيقي وتحويله إلى مجرد طقوس تبريكية خالية من المضمون الروحي والمعرفي. هذا الاستهداف يتجسد بوضوح في الحملة المنظمة ضد الدكتور منير القادري بودشيش، وريث السر والوصية الشرعية للطريقة القادرية البودشيشية، الذي يمثل نموذجاً للتصوف العرفاني المتجذر في التقليد الأصيل. إن محاولة إسقاط شخصية بحجم الدكتور منير، بخلفيته الأكاديمية العميقة ورؤيته الاستراتيجية لتطوير التصوف المغربي، تكشف عن مخطط أوسع يهدف إلى تفريغ التصوف من محتواه المعرفي والروحي وتحويله إلى مجرد ممارسات فولكلورية تخدم أجندات معينة.
يُعتبر الملتقى العالمي للتصوف الذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية في مداغ، والذي يترأسه الدكتور منير القادري بودشيش، نموذجاً حياً للتصوف العرفاني المعاصر الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة. هذا الملتقى، الذي وصل إلى دورته التاسعة عشرة، يمثل منصة فكرية رائدة تناقش قضايا التصوف في ضوء التحديات المعاصرة، من الذكاء الاصطناعي إلى القيم الإنسانية. لكن هذا النموذج الفكري المتقدم يواجه اليوم تحديات كبيرة، حيث تحاول بعض الأطراف تقويض دوره الريادي وتحويل النقاش الصوفي إلى مستوى أقل عمقاً وأكثر شكلية، بعيداً عن الرؤية الاستراتيجية التي وضعها الدكتور منير لتطوير الفكر الصوفي المغربي في خدمة إمارة المومنين والعرش العلوي المجيد بقيادة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
في مقابل هذا النموذج العرفاني المتقدم، ظهرت مبادرات أخرى مثل “لقاءات سيدي شيكر للمنتسبين إلى التصوف” التي حاولت تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، هذه اللقاءات، رغم أهميتها في الحفاظ على التراث الصوفي المغربي، تركز أكثر على الجانب التبريكي والطقسي للتصوف. إن الشيخ الراحل سيدي حمزة القادري بودشيش، والد سيدي جمال، كان قد عبر عن تحفظات حول هذا التوجه، مدركاً أن التركيز على الشكل دون المضمون قد يضعف من جوهر التجربة الصوفية الحقيقية. كان يرى أن التصوف الحقيقي يحتاج إلى عمق معرفي وتجربة روحية أصيلة، وليس مجرد إحياء طقوس تراثية منفصلة عن سياقها الروحي والمعرفي.
إن ما يحدث اليوم في الساحة الصوفية المغربية ليس مجرد صراع على النفوذ أو المناصب، بل معركة حقيقية حول طبيعة التصوف ودوره في المجتمع المغربي المعاصر. فمن جهة، نجد التيار العرفاني الذي يمثله الدكتور منير القادري بودشيش، والذي يسعى لتطوير التصوف فكرياً ومعرفياً وجعله قادراً على مواجهة تحديات العصر، ومن جهة أخرى، هناك محاولات لتحويل التصوف إلى مجرد “صناعة تراثية” تبريكية تخدم أغراضاً سياحية أو سياسية ضيقة. إن تمسك الدكتور منير بوصيته الشرعية ورؤيته الاستراتيجية للتصوف المغربي يمثل خط دفاع أخير عن أصالة التجربة الصوفية المغربية وعمقها المعرفي، في مواجهة محاولات التسطيح والتفريغ التي تستهدف جوهر هذا التراث الروحي العظيم.
محمد أبوخصيب