من جسوس إلى طارق: الشباب المغربي وسؤال الاعتراف السياسي

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع، باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

في السنوات الأخيرة، لم يعد السؤال عن الشباب المغربي مجرّد ترف بحثي، بل تحوّل إلى مدخل حاسم لفهم تحولات المجتمع والدولة معاً، فكل نقاش عن الانتقال الديمقراطي، أو الاستقرار السياسي، أو حتى النموذج التنموي، يبقى قاصراً إن لم يُقارب الشباب بوصفه فاعلاً منتجاً للمعنى، لا مجرد مستهلك لبرامج الدولة أو موضوعاً لسياساتها.

في هذا الإطار، يشكل كل من محمد جسوس وحسن طارق مفصلين نظريين مهمين لفهم الإشكال، ليس فقط من زاوية معرفية، بل أيضاً من موقعهما كفاعلين فكريين يتقاطع لديهم التحليل السوسيولوجي مع الوعي النقدي بالدولة والمجتمع.

محمد جسوس، أستاذ علم الاجتماع ومثقف ملتزم، اشتغل على تفكيك “العجز التمثلي” الذي يواجه الشباب في المغرب، فبالنسبة له، الشباب ليس غائباً فقط عن سوق الشغل، بل عن الحضور الرمزي في الفضاء العمومي. هو فاعل مؤجل، تتنازعه خطابات الاحتواء والتحكم، دون أن يُمنح حقه في التمثيل الرمزي. من هنا، تتبدّى الأزمة كما صاغها جسوس في كون الشباب يعيش “خارج منطق السياسة، وداخل منطق الاحتواء”. وهذا ما جعله يعتبر أن كل إصلاح تنموي يظل شكلياً إذا لم يُصغَ للتمثلات التي يحملها الشباب عن نفسه وعن الدولة.

من جهته، حسن طارق، الباحث الدستوري والتاب البرلماني السابق والمعيّن مؤخرا كوسيط للمملكة، نقل هذا الوعي إلى حقل السياسة التشريعية والدستورية، حين دافع عن فكرة “التمكين الرمزي للشباب”، لا كحصة أو كوطا عددية، بل كحق سياسي وثقافي.
ففي دراساته ومداخلاته، يؤكد طارق أن الديمقراطية ليست فقط آلية للاقتراع، بل منظومة شاملة تعترف بالهامش وتمنح الصوت لمن ظل طويلاً خارج اللعبة السياسية. الشباب هنا ليس مجرد مشروع تنموي، بل “رهان عدالة ديمقراطية”.

إن إشكالية الشباب في المغرب اليوم ليست فقط في غياب التشغيل أو ضعف التعليم، بل في التفاوت الرمزي العميق بين جيلين: جيل يملك أدوات السلطة ولا يفهم تحولات الشباب، وجيل آخر يملك أدوات التواصل ولا يجد من يصغي إليه. وهذا ما يجعل مؤسسات الوساطة (الأحزاب، النقابات، المجالس المنتخبة…) تبدو اليوم وكأنها تتحدث بلغة لا يفهمها الجيل الجديد.

ما بين تحليلات جسوس التي ترصد البنية، وتصورات طارق التي تحلل النص السياسي، نجد أنفسنا أمام فراغ عميق في الرؤية: لا توجد سياسة شبابية حقيقية ما دامت تُصاغ من خارج منطق “الاعتراف”.

والاعتراف هنا ليس مجازًا بل شرطًا سياسيًا للشرعية، فحين يشعر الشباب أن صوته لا يُحسب، ورأيه لا يُطلب، وأفقه لا يُفهم، فإن العزوف عن السياسة، أو حتى التمرد عليها، يصبح سلوكًا دفاعيًا لا خيارًا واعيًا.

إننا بحاجة إلى ثورة ناعمة تعيد صياغة العلاقة بين الشباب والدولة، بين الطموح الاجتماعي والتمثيل السياسي، بين الرغبة في التغيير والخوف من التغيير نفسه، وبدون هذه الثورة الرمزية، ستبقى كل مشاريع الدمقرطة والتنمية مجرد أوراق تقنية لا تعكس روح الجيل الجديد.

مقالات ذات صلة