الجامعة بين الحياد الأكاديمي والإجهاض السياسي: أي دور في إنتاج النخبة؟

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع – باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

ليست الجامعة مجرد فضاء للمعرفة، بل هي مُختبر لتشكيل النخبة المستقبلية، ومجال رمزي لإنتاج التصورات، والقيم، والرؤى. غير أن هذا الدور لا يتحقق بشكل تلقائي، بل يرتبط بالسياق السياسي والاجتماعي الذي تنشأ فيه الجامعة، وبالوظيفة التي تُراد لها، ففي السياق المغربي، يبدو أن الجامعة قد تم حصرها في دور ضيق: إنتاج الكفاءات التقنية وربط التكوين بسوق الشغل، في مقابل إضعاف الوظيفة النقدية والتحليلية التي من شأنها أن تفرز نخبًا مستقلة فكريًا وسياسيًا.

الحياد الأكاديمي، الذي يفترض أن يكون ضمانة للبحث والتفكير الحر، قد تحول إلى ذريعة لإفراغ الجامعة من بعدها السياسي والمدني، فبدل أن تُدرَّس السياسة كمجال حيوي لتكوين المواطن، يتم التعامل معها كمنطقة ملغومة، أو كحقل ينبغي تفاديه حفاظًا على “الاستقرار”، وكأن النقاش السياسي مرادف للفوضى.

فيتم تفكيك التنظيمات الطلابية، وتحجيم الفضاءات النقاشية، وتُفرَض شروط إدارية تفرغ الأنشطة الطلابية من محتواها، فيُستبدل الحوار بمسابقات ثقافية، والنقاش السياسي بورشات تقنية، مما يُنتج طالبًا منخرطًا في الحياة الجامعية بشكل سطحي، لكنه غريب عن ديناميات مجتمعه.

والمفارقة أن الجامعة، في مراحل تاريخية مضيئة، كانت مركزًا للفعل السياسي، ومنطلقًا لاحتجاجات وطنية كبرى، ومجالاً لولادة زعامات شبابية أثّرت في الحقل السياسي والنقابي والثقافي، غير أن هذا الإرث يتم اليوم تهميشه أو شيطنته، ويُعاد تأطير الذاكرة الجامعية بما ينسجم مع منطق الإدماج التقني لا التحرر المعرفي. فحين تُقصى الفلسفة، وتُقلص ساعات القانون، وتُهمَّش العلوم السياسية من التكوين الجامعي، فنحن لا نُعيد تشكيل المعرفة، بل نُعيد صياغة المواطن وفق نموذج قابل للتدجين.

مقالات ذات صلة