مستاوي يكتب.. الحي الحسني: الاحتفاء بالمبادرة والتنكر لفلسفتها

بقلم: ذ.عبد الرحيم مستاوي
في الوقت الذي تُخصص فيه احتفالات رسمية ومبادرات ميدانية لإحياء الذكرى العشرين لإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، المشروع الملكي الرائد الذي جعل من الكرامة والعدالة الاجتماعية وتمكين الفئات الهشة محاوره الأساسية، كانت ساكنة مقاطعة الحي الحسني على موعد مع مشهد شديد التناقض مع هذه المبادئ: هدم سوقي صورصا ودالاس، دون إشعار مسبق، ودون توفير بدائل كريمة للتجار والباعة الذين شكلت هذه الفضاءات مورد رزقهم الوحيد لعقود.
السلطات برّرت هذه العمليات بكونها تندرج ضمن جهود تحرير الملك العمومي وإعادة تنظيم النسيج العمراني. غير أن الطريقة التي تم بها التنفيذ تطرح أسئلة حارقة حول مدى استحضار البعد الإنساني والاجتماعي، الذي يجب أن يكون جوهر كل تدخل ترابي، خاصة إذا كان يُرفع باسم التنمية البشرية.
ما وقع لم يكن مجرد إزالة لبنايات قصديرية، بل هو اقتلاع قسري لمسارات عيش كاملة، طال أثرها أسرًا بأكملها، من شباب عاطل، وأرامل، إلى خريجي منظومة الاقتصاد غير المهيكل الذين وجدوا أنفسهم فجأة في الشارع، بلا مورد، ولا بديل.
بحسب تقديرات محلية، فإن ما يزيد عن 1860 تاجرًا وحرفيًا تضرروا بشكل مباشر من هذه العمليات (حوالي 500 في سوق صورصا، و1360 في سوق دالاس)، دون أي عرض رسمي لبدائل اقتصادية مؤقتة أو دائمة، ما يُذكي المخاوف من أن تتحول المبادرة الوطنية إلى شعار بلا مضمون، وواجهة لقرارات إدارية تفتقر للمرافقة الاجتماعية الضرورية.
ولعل خير ما يُستحضر في هذا السياق، ما جاء في الخطاب الملكي بتاريخ 18 ماي 2005 بمناسبة إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية:
“لقد قررنا أن نجعل من التنمية البشرية الورش الملكي الجديد للقرن الواحد والعشرين، لكونها تمثل مشروعًا مجتمعيًا بامتياز، غايته القصوى هو صون كرامة المواطن والنهوض بحقوقه، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والنمو الاقتصادي المتوازن والمنصف.”
أين نحن من هذه التوجيهات العليا؟ كيف نُبرر قرارات تُفاقم الفقر والهشاشة باسم التنمية؟ وما جدوى التنمية إذا لم تحفظ كرامة المواطن، وتضمن له مورداً بديلاً، وفرصة للاستمرار بكرامة؟
لا أحد ينكر أهمية التنظيم ومحاربة العشوائيات، لكن التنمية لا تُبنى على أنقاض الفئات الهشة، ولا تُنفذ بقرارات فجائية تفتقر للمقاربة التشاركية، وتغيب عنها الرؤية التكاملية التي تضع الإنسان في قلب السياسات العمومية.
إن الذكرى العشرينية للمبادرة ليست فقط مناسبة للاحتفاء، بل أيضًا لحظة لتقييم و التقويم وتصحيح للمسار، والعودة إلى الفلسفة الأصلية التي أرادها جلالة الملك:
> “التنمية الحقيقية، يجب أن تبدأ من الإنسان، ومن خلال توفير التعليم الجيد، والتكوين الملائم، وفرص الشغل، والعيش الكريم.”
(من خطاب العرش، 29 يوليوز 2019)
التنمية التي تُنصت و لا تُقصي،تعلي من شأن الانسان قبل ان تشيد العمران ، التنمية التي تحترم الإنسان من حيث هو إنسان .وختامًا، وأمام هذا الوضع المقلق، نهيب بالسلطات المحلية وعلى رأسها السيد والي جهة الدار البيضاء سطات، إلى التدخل العاجل لإيجاد حل منصف وعادل لهؤلاء التجار، عبر توفير بدائل ملائمة تحفظ كرامتهم، وتُمكّنهم من استئناف نشاطهم الاقتصادي في أقرب وقت، بما ينسجم مع روح وفلسفة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ويجسد التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تنمية لا تقصي أحدًا، وتضع الإنسان في صميم السياسات العمومية.