ليس دفاعًا عن سعد الدين العثماني ولكن دفاعًا عن الفكرة

بقلم: طلوع عبدالإله_ دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

ما حدث داخل جامعة تطوان في حق الدكتور سعد الدين العثماني ليس حادثًا عرضيًا يمكن تجاوزه بالصمت أو بالتبرير، إنه علامة فارقة على مفترق طرق خطير، حيث يتحول النضال من طاقة أخلاقية إلى أداة تسلّط، وتُفرّغ الجامعة من روحها كمجال للتفكير النقدي، وتُختزل فلسطين – وهي قضية تحرر إنساني شامل – إلى شعار يُستخدم لتصفية الخصوم.

لنفترض، جدلًا، أن العثماني قد أخطأ سياسيًا حين وقّع اتفاق التطبيع، فالخطأ السياسي يُرد عليه بالنقاش، بالمرافعة الفكرية، بالأسئلة المؤرقة، لا بالمنع من الكلام ولا بالإهانة العلنية.، لأننا إن قبلنا بأن يصبح الفضاء الجامعي مجالًا للتأديب العنيف، فإننا نغتال أحد آخر معاقل الحوار في مجتمع تتآكل فيه مساحات النقاش يومًا بعد يوم.

منطق “الشرعية النضالية” كما يُمارسه بعض الطلبة اليساريين أو القاعديين اليوم، لم يعد منتجًا للمعنى، بل أصبح يعيد إنتاج ما يُشبه دينًا سياسيًا مغلقًا، يُحرّم الاختلاف ويُكفّر المعارضة، باسم طهارة القضية_ وهو ما يشكل امتدادًا – دون وعي – للمنطق الذي ينتقدونه في السلطة: منطق الإقصاء، التبرير، وتقديس الذات.

الفكر النضالي حين يفقد جوهره الأخلاقي، يصبح نسخة مقلوبة من الاستبداد، لا مشروعًا للتحرر، وفلسطين، حين تُستعمل كمبرر للعنف، تُصبح رهينة في يد من يزعم الدفاع عنها، فهي لا تحتاج إلى من يضرب باسمها، بل إلى من يضرب مثلًا في احترام الإنسان حتى حين يختلف معه جذريًا.

إن ما وقع للعثماني يُحيلنا إلى مأزق أعمق: مأزق الفشل في بناء ثقافة سياسية مدنية داخل الجامعة المغربية. فالجامعة لم تعد منذ سنوات مكانًا لإنتاج النخبة المتفكرة، بل أصبحت – في بعض فصائلها – مرتعًا لصراعات هوياتية مغلقة، تتكلم لغة الخنادق، لا لغة المشاريع، لذلك لا نستغرب حين يتحول “ضيف سياسي” إلى “غنيمة عقابية”، ويُحرم من الكلام باسم “فلسطين” أو “الدم”، أو “أرواح الشهداء”.

لا أحد فوق النقد، لا العثماني، ولا حزب العدالة والتنمية، ولا أي تيار سياسي، لكن النقد لا يُفترض أن يُمارس بوصفه انتقامًا من الماضي، بل بوصفه مساءلة مستقبلية لصورة الإنسان الذي نريده في الحرم الجامعي: هل نريد طالبًا يطرح الأسئلة؟ أم جنديًا يُنفّذ بلاغات فصيله؟

ثم لنسأل سؤالًا مزعجًا: ماذا لو كان الضيف المُهان هو أحد رموز اليسار أو القومية؟ هل كان رد الفعل سيكون نفسه؟ أم أن ازدواجية المعايير ستُعيد رسم الموقف تحت مسميات أخرى؟ هنا يصبح العنف غير مدان، لأنه “عنفنا”، ويصبح القمع مبررًا لأنه “باسمنا”، تلك أخطر لحظة: حين نُبيح لأنفسنا ما نرفضه في خصومنا، ونحوّل الحق إلى سلاح انتقائي.

إنها لحظة يجب أن تُستنفر فيها كل العقول التي تؤمن بأن الفكر لا يُصنع تحت التهديد، وأن الجامعة ليست مسرحًا للصراخ بل حاضنة للتمايز والاختلاف.

ليس دفاعًا عن العثماني، وإنما دفاع عن سؤال كبير اسمه: متى يخرج النضال من دور الضحية لينتج تصورًا ناضجًا عن الحرية؟
ومتى نعيد للجامعة كرامتها الفكرية، فلا نُضحي بها على مذبح الحماسة العمياء؟

مقالات ذات صلة