تحولات المجتمع المغربي الرقمي: تحديات الشمولية والتفاوت الاجتماعي

بقلم: الدكتور عبد الإله طلوع باحث في القانون العام والعلوم السياسية

في ظل التحولات الرقمية التي يشهدها العالم، يعتبر المغرب واحدًا من الدول التي شهدت تطورًا ملحوظًا في هذا المجال خلال العقدين الأخيرين. فإلى جانب الفوائد المتعددة التي أتاحها التحول الرقمي، من تحسين الوصول إلى المعلومات وتوسيع آفاق التعليم، هناك أيضًا تحديات ضخمة تتعلق بالفجوة الرقمية التي تهدد بإعادة تقسيم المجتمع على أسس اجتماعية واقتصادية جديدة.

التحول الرقمي: فرص وتحديات

أدى التحول الرقمي إلى إحداث ثورة في الطريقة التي يتعامل بها المغاربة مع الحياة اليومية، فالهاتف الذكي أصبح أداة أساسية لا غنى عنها في التواصل مع العالم، سواء من خلال التطبيقات الاجتماعية أو عبر الإنترنت.

هذا التغيير لم يقتصر على التواصل الاجتماعي فقط، بل طال العديد من المجالات الأخرى مثل التعليم، الصحة، والتجارة الإلكترونية، فالعديد من الشباب المغربي أصبح لديه إمكانية الولوج إلى مصادر المعرفة العالمية عبر الإنترنت، كما أصبح بإمكانه متابعة دراسته عن بُعد، وممارسة التجارة عبر الإنترنت، وهو ما يفتح أمامهم فرصًا جديدة للابتكار والنمو الاقتصادي.

ومع ذلك، رغم الفوائد العديدة التي أتاحها التحول الرقمي، يواجه المغرب تحديات كبيرة في هذا المجال. فمن جهة، أصبح المجتمع المغربي أكثر ارتباطًا بالعالم الرقمي، مما يعزز من عملية الانفتاح على المعلومات والموارد المتاحة على الشبكة العنكبوتية. ولكن من جهة أخرى، فإن الفجوة الرقمية بين مختلف الفئات الاجتماعية أصبحت أكثر وضوحًا، مما يهدد بعدالة توزيع الفرص في هذا المجال.

التفاوت الاجتماعي الرقمي

إن الفجوة الرقمية في المغرب ليست مجرد مسألة تقنية أو علمية، بل هي في الأساس انعكاس للتفاوت الاجتماعي والاقتصادي. ففي الوقت الذي استطاع فيه سكان المدن الكبرى، مثل الدار البيضاء والرباط، الوصول إلى الإنترنت بشكل سهل وميسر، ما زال العديد من المغاربة في المناطق القروية والمحرومة يعانون من ضعف أو انعدام الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة.

وتشير التقارير إلى أن نسبة الولوج إلى الإنترنت في بعض المناطق القروية لا تتجاوز 20%، وهو ما يضع هؤلاء المواطنين في وضعية هامشية مقارنة بالآخرين.

هذا التفاوت الرقمي يعكس بدوره التفاوت الاجتماعي، حيث تتزايد الفجوات بين الطبقات الاجتماعية التي تتمتع بقدرة على الوصول إلى التكنولوجيا، وبين الطبقات الأقل قدرة على ذلك. بالإضافة إلى أن غياب سياسات تعليمية موجهة إلى هذه الفئات الفقيرة في مجال تكنولوجيا المعلومات قد يفاقم هذه الفجوة ويحول دون مشاركتهم الفعالة في الاقتصاد الرقمي. وهذا يقود إلى استنتاج مهم: هل من العدل أن يتم ترك فئات واسعة من المجتمع بعيدًا عن الثورة الرقمية؟ هل من المقبول أن يتحول الإنترنت إلى امتياز يُحرم منه جزء من الشعب المغربي؟

الحاجة إلى سياسة شاملة

إن التحدي الأكبر الذي يواجه المغرب اليوم هو وضع استراتيجية شاملة للتعامل مع التحول الرقمي تتضمن ضمان الوصول العادل إلى التكنولوجيا لجميع المواطنين، بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو الجغرافي. من الأهمية بمكان أن تكون هناك خطة وطنية للتعليم الرقمي تبدأ من المراحل الدراسية الأولى، بحيث يتم تعليم التلاميذ أساسيات التكنولوجيا وكيفية استخدامها في حياتهم اليومية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تأهيل الكوادر البشرية في جميع المناطق، خاصة في القرى والمناطق الريفية، يجب أن يكون أولوية. وهذا يتطلب استثمارًا في البنية التحتية الرقمية، بما في ذلك تحسين الاتصال بالإنترنت وتوسيع شبكات الاتصال في المناطق النائية. على الحكومة المغربية أن تعمل بشكل فعال على تسهيل وصول جميع المواطنين إلى الإنترنت، من خلال وضع استراتيجيات تشجع على الاستثمار في هذا المجال، وتنظيم شراكات مع الشركات التكنولوجية لتوسيع التغطية الرقمية في جميع أنحاء البلاد.

التحول الرقمي كمحرك للتنمية الاقتصادية

إحدى الفرص المهمة التي يقدمها التحول الرقمي هي استخدام التكنولوجيا كأداة لتحفيز التنمية الاقتصادية. فالتجارة الإلكترونية، على سبيل المثال، يمكن أن تفتح فرصًا جديدة للمنتجين والمشاريع الصغيرة والمتوسطة في المناطق الريفية، مما يسهم في تحسين مستوى دخل الأسر وتوفير فرص العمل. لكن في غياب بنية رقمية قوية، فإن هذه الفرص ستظل محصورة في فئة قليلة من الأفراد والشركات القادرة على الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة.

علاوة على ذلك، يمكن أن يسهم التحول الرقمي في تحسين القطاع الصحي في المغرب، من خلال تسهيل الوصول إلى الخدمات الصحية عن بُعد، وتسهيل التشخيص والعلاج. إن الاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن أن يسهم في تعزيز المنظومة الصحية وتوفير خدمات طبية عالية الجودة للمواطنين، حتى في المناطق البعيدة.

الأسئلة الجوهرية

1. هل يمكن أن يؤدي التحول الرقمي إلى تعميق التفاوت الاجتماعي؟ هل من الممكن أن تصبح الفجوة الرقمية في المغرب سبيلاً لتوسيع الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين المناطق الحضرية والقروية؟ كيف يمكن للمجتمع المغربي ضمان ألا تكون التكنولوجيا حكرًا على فئات معينة؟

2. ما هو دور الدولة في تعزيز الشمولية الرقمية؟ هل يمكن للدولة المغربية أن تضطلع بدور رئيسي في ضمان الشمولية الرقمية عبر توفير الإنترنت في كل أنحاء البلاد؟ وكيف يمكن للحكومة تحقيق ذلك في ظل التحديات المالية والتقنية؟

3. كيف يمكن للقطاع الخاص أن يساهم في سد الفجوة الرقمية؟ هل يمكن للشركات الكبرى في قطاع التكنولوجيا أن تلعب دورًا في مساعدة المجتمع المغربي على تجاوز الفجوة الرقمية؟ وما هي الطرق الممكنة التي يمكن أن يسهم بها القطاع الخاص في تعزيز الشمولية الرقمية؟

4. ما هي الأولويات التي يجب أن يتبناها النظام التعليمي لتأهيل الجيل القادم للمستقبل الرقمي؟ هل يجب على النظام التعليمي المغربي أن يعيد تصميم مناهجه لتشمل تدريب الطلاب على استخدام التكنولوجيا وتوفير المهارات الرقمية الأساسية منذ مراحل التعليم الأولى؟

مقالات ذات صلة