الدار البيضاء.. مدينة بحجم قارة تُعامل كحي مهمّش!”

هل يُعقل أن تظل الدار البيضاء، المدينة التي لا تنام، تُعامل كضاحية نائية عندما يتعلق الأمر بالبنية التحتية الرياضية؟
هل يُمكن لمدينة بحجم قارة، قلبها النابض هو كرة القدم، وجماهيرها أكبر من جماهير بعض المنتخبات الإفريقية، أن تنتظر منذ سنوات “رحمة” المشاريع المؤجلة و”وهم” الإصلاحات المتكررة؟
وهل يجوز في بلد يستعد لاحتضان كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 أن تبقى عاصمته الاقتصادية والثقافية، وحاضنة أعرق الأندية الوطنية، في ذيل ترتيب الاهتمام التنموي في قطاع يُفترض أنه واجهة المغرب للعالم؟
الدار البيضاء ليست فقط مدينة كبرى، إنها الذاكرة الحية لكرة القدم المغربية، المهد الذي وُلدت فيه الأساطير، والمسرح الذي سطرت فيه الرجاء والوداد أروع ملاحم الكرة الوطنية والإفريقية.
لكن السؤال الكبير: أين هي الملاعب؟ أين هي البنية التحتية؟ أين هو الاستعداد لمرحلة عنوانها “التألق القاري والعالمي”؟
في الرباط، العاصمة الإدارية، كأنها تحوّلت إلى عاصمة رياضية أيضًا:
ملعب الأمير مولاي عبد الله بسعة 69.500 متفرج
ملعب البريد: 18.000 متفرج
الملعب الأولمبي: 21.000 متفرج
ملعب الأمير مولاي الحسن: 12.000 متفرج
ملعب تامسنا: 20.000 متفرج
خمسة ملاعب بمعايير عالية في مدينة واحدة، دون احتساب مركب الأمير مولاي عبد الله الذي أُعيد بناؤه من الصفر.
وفي المقابل؟
الدار البيضاء تُمنح ملعبًا وهميًا في “بنسليمان”، على بعد أكثر من 50 كيلومترًا، كأن العاصمة الاقتصادية عاجزة عن احتضان منشأة رياضية فوق ترابها.
أليس هذا عبثًا؟
من قرر أن تُقصى الدار البيضاء من مشاريع الملاعب؟
من رسم هذه الخريطة غير المتوازنة التي تحتفي بالبعض وتُقصي آخرين؟
أهو غياب الإرادة السياسية؟ أم تقصير المنتخبين المحليين؟ أم تواطؤ ضمني لمسؤولي الأندية البيضاوية الذين أراحوا أنفسهم من عناء الصدام مع مؤسسات الدولة؟
منذ سنة 2016، ومركب محمد الخامس، هذا الرمز الرياضي، يتعثر في دورة إصلاحات عبثية لا تنتهي، وتُغلق أبوابه أكثر مما تُفتح، محرومًا من تحديث حقيقي، وبيعدًا عن المعايير العالمية، وكأن البيضاويين لا يستحقون فرجة كروية في ملعب لائق.
هل من المعقول أن يُعامل نادٍ مثل الرجاء الرياضي أو الوداد الرياضي – وهما الأكثر تتويجًا قاريا ووطنيا – بهذا القدر من الإهمال؟
ألا يعلم من يقرر أن هذين الناديين يُمثلان أكثر من فرق كرة؟ إنهما مؤسستان اجتماعيتان، لهما امتداد شعبي، وتاريخ مقاومة، ورسالة رمزية تتجاوز المستطيل الأخضر؟
ألا يُدركون أن الكرة في الدار البيضاء ليست مجرد هواية بل هي مكوّن هوياتي ونَفَسٌ يومي للملايين؟
أين مسؤولو المدينة؟ أين مجلسها الجماعي؟ أين المنتخبون الذين أمطَرونا بوعود التنمية والعدالة المجالية؟
هل يجهلون أن البنية التحتية الرياضية ليست ترفًا، بل أساس لجذب الاستثمار الرياضي، ورافعة للهوية الثقافية والاجتماعية؟
ثم ماذا عن مسؤولي الأندية؟ هل يكفي التباهي بالماضي المجيد بينما الحاضر يتآكل من تحتهم؟
لماذا لا نسمع صوتًا احتجاجيًا واحدًا منهم ضد هذا التهميش الممنهج؟ هل تحولوا إلى مدبّري نتائج فقط، بلا رؤية، ولا مشروع تنموي للرياضة في مدينتهم؟
قد يقول البعض: لسنا أمام مؤامرة، بل فقط “سوء توزيع”. ولكن حين يتحول هذا السوء إلى نسق، ويتكرر عبر السنوات، ويفرز واقعًا كاريكاتوريًا تتفوق فيه المدن الصغيرة على العاصمة الاقتصادية من حيث عدد الملاعب، فهل نكتفي بالصمت؟
إن ما تتعرض له الدار البيضاء اليوم في مجال البنية التحتية الرياضية هو إقصاء غير مبرر، وتهميش يرقى إلى مستوى العبث الاستراتيجي.
وإذا كانت الكرة أداة دبلوماسية ناعمة، فإن تهميش الدار البيضاء يضعف صورة المغرب لا يعززها.
فكيف نُقنع العالم بأننا بلد جاهز لاستضافة كأس العالم، ونحن لا نستثمر في تأهيل أكبر وأعرق مدننا؟
كيف نطلب من الجماهير أن تملأ الملاعب، ونحن لا نمنحها سوى ملاعب مهترئة، وأخرى “تحت الإنجاز” إلى ما لا نهاية؟
الدار البيضاء تستحق أكثر.
تستحق ملعبًا عصريًا، في قلبها، لا في ضواحيها.
تستحق مدينة رياضية متكاملة، تحتضن جماهيرها، وتليق بتاريخها، وتُمهّد لمستقبل رياضي مشرق.