النقيب الجامعي يطعن في حكم قضائي تصدّرته «بسم الله الرحمن الرحيم»!
تقدم النقيب عبد الرحيم الجامعي بطعن ضد حكم قضائي أصدرته محكمة الاستئناف في الدار البيضاء في أول يوليوز الحالي، بسبب استهلاله بـ “بسم الله الرحمن الرحيم”.
تفاصيل الواقعة القانونية التي شهدتها استئنافية العاصمة الاقتصادية، تعود إلى محاكمة الناشط في “جماعة العدل والإحسان”، عبد الرحمن زنكاض، على خلفية نشر تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قضت هيئة الحكم بخمس سنوات سجناً، بتهم تتمثل في الإساءة إلى مؤسّسة دستورية، والتحريض على ارتكاب جنح بوسائل إلكترونية، وبث وتوزيع معطيات تمس بالحياة الخاصة للأفراد.
وأكد النقيب عبد الرحيم الجامعي، في مقال توضيحي وتحليلي، أن “الأحكام والقرارات القضائية (علمانية) لأنها محايدة لا ارتباط لها بأي إيديولوجية ولا بأي عقيدة ولا بأي زاوية، ولا تصدر لا عن مجلس إفتاء ولا مجلس إرشاد و لا مجلس شورى ولا مؤسسة للعلماء ولا عن وزارة ولا وزير، وبالطبع ليس هذا التوضيح قدحاً ولا تقليلاً من مكانة المفتين والعلماء والمجتهدين ولا من غيرهم، بل هو أمر يمهد لمعرفة ما أتى به الدستور في مجال عمل السلطة القضائية الممثلة في قضاة الأحكام، والذين يشتغلون في حدود من سمح لهم به الدستور والنظام الأساسي للقضاة ومدونة الأخلاقيات القضائية”، بحسب ما نقلت القدس العربي.
وزاد المحامي موضحاً، أن “الأحكام والقرارات القضائية ليست آيات قرآنية تفتتح بالبسملة، ولا أبيات شعر، ولا أمْثَالاً ولا حِكَماً، ولا قصائد يختار محررها ما يناسب ذوقه أو ثقافته أو عقيدته، بل للأحكام صيغتها وخصائصها وقواعد تحريرها من بدايتها إلى نهايتها”.
لذلك، فإنه “مما لا خلاف حوله، أن الصيغة الدستورية هي المرجعية الوحيدة التي تصدر بها القرارات والأحكام والأوامر من طرف الهيئات القضائية وقضاة التحقيق ومن سواهما، وهي ما نصت عليه المادة 124 منه والتي تؤكد أنه (تصدر الأحكام وتنفّذ باسم الملك وطبقاً للقانون)”.
المقال الذي عممه المحامي عبد الرحيم الجامعي، وبعد تفسيرات قانونية عديدة ومسهبة، وصل إلى مربط الفرس، حين قال: “لمّا كانت الأحكام تصدر باسم الملك وطبقاً للقانون فقط، ولما فوّض الملك للقضاة النطق بالأحكام باسمه وحده، فلأنه يعرف أن مسألة الدين والعقيدة الخاصة بالمتقاضين ليست شرطاً لسماع الدعوى، فالمتقاضي سواء كان مؤمناً أم غير مؤمن، مسلماً أم مسيحياً أم علمانياً أم صليبياً… فالأمر أمره وليس للقضاة أي دخل فيه، وحتى عند مثول المتقاضين أمام القضاة وهيئات المحاكم فإنهم يسألونهم فقط عن هويتهم، ولا يسألون عن ديانتهم ومعتقداتهم، فالمساواة وعدم التمييز فَرَضَا استبعاد العقيدة والدين من ساحة العدالة والقضاء، وهذه في اعتقادي هي فلسفة نص المادة 124 من الدستور والمادتين 365 و 370 من قانون المسطرة الجنائية”.
ووفق المحامي، فإنه “ليس للقضاة أن يخلِطوا اسم الملك مع اسم الله في أحكامهم، ويخرجوا عن النص الدستوري الذي صوت عليه المغاربة وأمر الملك بتنفيذه بظهير ملكي بتاريخ 29 /7 / 2011. ولا يمكنهم الخلط ما بين افتتاح الجلسات التي يبدأونها أحياناً بالبسملة شفوياً؛ أي باسم الله، وما بين تحرير الأحكام التي تفرض عليهم إصدارها باسم الملك وطبقاً للقانون فقط”.
واعتبر الجامعي أنه “من باب الشطط أن يصبح قضاة الأحكام مشرعين مكان المشرع، يُبَدِلون عبارات النصوص الآمرة ويتجاوزون أحكام الدستور وظهير الأمر بتنفيذه كما هو على حالته، فالقضاة -حسب المادة 117 من النص الدستوري- مكلفون بتطبيق القانون، وليس بتغييره أو تمطيط مواده او إضافة فقرات فيها”.
وزاد موضحاً: “بل إن تغيير صيغة صدور الأحكام، أو الإضافة للصيغة الرسمية كلمة (البسملة) مثلما تغير الرسائل أو عناوين القصائد أو غيرها، يُسقط الأحكام ويبطلها، وتصبح مصالح المتقاضين في خبر كان، وتصبح الخزينة العمومية مهددة بأداء تعويضات عن أخطاء قضائية، كان عليهم بالأحرى تفاديها وتفادي أسبابها”.
وبالنسبة للنقيب عبد الرحيم الجامعي، فإن “الأحكام لها مرجعية واحدة، وهي المرجعية الدستورية وليست المرجعيات الشخصية للقضاة، والأحكام قد تكون غير عادلة، وقد تقع في نسيان أو إغفال عمدي أو غير عمدي، لكونها ليست من وحي الله ولا من كلام أنبيائه، وبالتالي تبقى كلها من بدايتها لخاتمتها قابلة للطعون والتظلمات وللمراجعة، وأن النطق بها بالبسملة قد يعطي الانطباع للمتقاضين بأنها مُحصّنة ولا يُفترض أن يشوبها إغفال أو زلل”، معتبراً ذلك “استغفالاً للمرتفقين، وفيه ضغط معنوي عليهم”، كما أنه قد يتم تأويله من طرف “المتأسلمين” وفق تعبيره، أو أصحاب العمامات تأويلاً إسلاموياً أو سياسوياً، يضفي على الأحكام قداسَة ليست لها؛ لأنها من اجتهاد بشر، فتصبح شبه سُور أو شبه آيات، وهذا نوع من التحريف لا يجوز ولا يليق “.