الهوية الجنسية المتناقضة
مريم القبش
أزمة عالمية جديدة تلوح في الأفق، هوية مفقودة تصل إلى حد الجنون والتطرف. اضطراب لم يقف عند حد شباب مجتمع الميم بل تجاوز ذلك إلى تعريف بعض الأشخاص أنفسهم كقطط وكلاب أو ديناصورات حتى.
فيما تحدد جمعية علم النفس الأمريكية في سياق البروباجاندا الجنسانية بأن الجندر البيولوجي الذي تم تعريف الشخص به عند الولادة بحيث يعتمد على الخصائص البيولوجية للذكورة والأنوثة عن طريق الكروموسومات، والغدد التناسلية، والهرمونات، والأعضاء التناسلية. أصبح اليوم مجتمعنا يعاني من خلل تشخيص الهوية، والمتحول الجنسي هو بمثابة المظلة التي يجتمع تحتها كل ما لا يتوافق الجندر الخاص به أو هويته الجنسية مع جنسه البيولوجي لجسمه المعقود منذ ولادته. وحسب ما أعلنت جمعية الطب النفسي الامريكية أن 1 من أصل كل 1000 شخص يعاني من هذا الخلل.
ولعل أول ما يلاحظه كل مراقب لقضية الجندر أنه لا يوجد إطار مرجعي محدد يمكن من خلاله فهم قضية التحول الجنسي، حيث يمكن للمرء عبر حسابات مواقع التواصل الاجتماعي أن يختار الجندر الخاص به من بين عدد لا يستهان به من الجنادر، وهو ما يضع المرء في تيه حقيقي بين مجموعة من الأسئلة المتضاربة كيف ظهرت هذه الأنواع؟ أو بمعنى أصح متى ظهرت؟ لا بل وهناك سؤال أخطر من هذا، هل بالفعل تشجع مواقع التواصل اليوم على تغيير الهوية الجنسية؟
ثنائية الطبيعة البشرية من ذكر وأنثى هي من أبسط المفاهيم المتجذرة عبر التاريخ. فكيف لمفهوم بسيط كهذا أن يصل إلى هذا الحد من التعقيد؟
في عالم تحيطه النسبية والذي يبدو فيه أن المنطق قد ظل طريقه ثم وبشكل مباشر تجاهل كل الاختلافات العميقة بين شقي الطبيعة الإنسانية الثنائية، حيث وصل اللامنطق إلى ضرب من الخيال. فحسب الجزيرة ونقلا عن تصريح لإحدى المدافعات عن التحول الجنسي والجندرية قالت إنه من المخالف لعلم الطب أن يتم تشخيص الهوية الجنسية بكل ما هو فيزيولوجي لا بل وتؤكد أن إحساس الشخص الداخلي هو الذي يحدد انتماءه للجندر الذي يريده لتضرب بالعلم عرض الحائط.
لا ريب أن هناك بالفعل حالات تشخص باضطراب الهوية الجنسية بطريقة صحيحة ولكنها لا تكاد تذكر، وتكون بسبب تأثير بعض العوامل البيولوجية والاجتماعية مثل الاعتداء الجنسي في الطفولة، أو التنشئة غير السليمة في الأسرة، أو الولادة بخلل في إفراز وتنظيم الهرمونات الجنسية أو الكروموسومات، وحينئذ يصبح التحول الجنسي أمرا مطروحا بالفعل. والأطفال بالخصوص هم أكثر الأشخاص عرضة لمعضلة التحول.
أما في مجتمعنا العربي فإننا نعاني حرفيا من نقص كبير في المعرفة والاهتمام بموضوع التربية الجنسية للأطفال تحت مسميات “العيب” و “الحشمة”، وكذا قلة وعي الآباء وعدم التوعية الكافية للأبناء، واعتقاد كل شخص بأن بيته يخلو من هذه الحوادث.
ولكن الحقيقة الصادمة عكس ذلك تماما فحسب إحصائية قامت بها كلية التربية في جامعة الملك سعود فإن 49% من الأطفال دون سن 14 سنة يتعرضون للتحرش، وطفل من كل أربع أطفال يتعرض لاعتداء جنسي.
وفي سياق آخر، حسب دراستين أجريتا من طرف مستشفى بورتمان الأمريكي وجامعة فاندربيلت الأمريكية فإن 70% إلى 80% من الأطفال الذين اختبروا شعورا باضطراب الهوية الجنسية ولم يتم علاجهم قد فقدوا هذا الشعور مع الزمن. وفي وسط جنون الجندر الطاغي هذه الأيام يصبح الموضوع أكثر خطورة بكثير.
ومن أعراض هذا الخلل عند الأطفال تناقض بين جنس الطفل المُعبر عنه وبين الجنس الذي تم تعيينه عند الولادة، هذا التنافر يستمر لمدة ستة أشهر على الأقل، ورغبة الطفل القوية في أن يكون من النوع الجنسي الآخر، وتفضيل قوي للعب الأطفال أو الألعاب أو الأنشطة النمطية المستخدمة من قبل الجنس المغاير، ثم اضطرابات أو اختلالات ذات دلالة سريرية فيما يتعلّق بالوحدة السيكولوجية الداخلية كأن يحبّذ الذكر أن يُنادى على أنه أنثى والعكس بالعكس في البيئات المختلفة.
كذا المراهقين والبالغين لا يختلف الأمر عندهم كثيرا إذ بالإضافة إلى الخصائص الأخرى، تظهر هذه الأعراض في الرغبة القوية للاحتياجات الجنسية الأولية أو الثانوية للجنس الآخر، والقناعة القوية بأن المرء لديه مشاعر وردود فعل نمطية من النوع الآخر، والاختلالات ذات الدلالات السريرية في البيئات المختلفة، مثل بيئات العمل أو المدرسة أو المنزل، وغيرها…
ومع ازدياد حدة تسييس قضية المثلية الجنسية ومحاولة جعلها أمر طبيعي وفطري، علاوة على عمليات التحول الآخذة في التكاثر. فقد بدأ الأمر في الخروج عن السيطرة بالفعل. ومن الحقائق المثيرة للاهتمام أن نسب الشدود الجنسي التي ترتفع بشكل مبالغ تسجل أحيانا معدلات قياسية في الأوساط الغربية.
أما من منظور آخر ففي مقال للصحفي بيرس مورغان نشر على موقع the sun البريطاني لواقعة بإحدى المدارس حيث رفض أحد التلاميذ أن يعرف زميلته على أنها قطة، واعتبره دربا من دروب الجنون، اعترضت المدرسة بشكل مباشر عن هذا الحديث رغم أنه عبر عن رأيه فقط، ورأت أنه يحتاج للمزيد من المعرفة وتقبل وشمول الآخر أو عليه الذهاب لمدرسة أخرى، كما وصل أمر مشكلة التمييز على أساس الجنس ببريطانيا الى أن يطلب من التلاميذ أن يعاملوا كحيوانات تحت مسمى احترام الهوية الجنسية وتقبل الآخر.
وأنهى بيرس مورغان مقاله بكلمات غاضبة حيث قال” … أصاب هذا الفيروس نظامنا التعليمي ولا يبدو أن أحدا مستعدا أو قادرا على الوقوف في وجهه… كفى”.
هكذا وفي عالم اختلط فيه الحابل بالنابل، والخيال بالوهم، تم التلاعب بوعي الناس من أجل إقناع الرأي العام بحرية الهوية الجنسية وصحة الايديولوجيا الجندرية. مما سيكلف إفساد مجتمع كامل بدءا بأطفاله وشبابه، وبدلا من معالجة هذه الافكار المتطرفة أصبح من الموضوعي تقبلها وتشجيع صاحبها عليها.