مبروكي يكتب.. التنمّر المدرسي في المغرب غوص في أعماق التحليل النفسي

يُتناول موضوع التنمر غالبًا من زاوية الضحية، حيث يُسلّط الضوء على المعاناة النفسية والعاطفية التي تتكبدها. ومع ذلك، فإن القراءة التحليلية النفسية تكشف عن ديناميكيات أكثر تعقيدًا، تشمل كلاً من الضحية والمتنمر في لعبة عاطفية متناقضة، تتشابك فيها المعاناة باللذة بصورة حميمة.
مقاربة تحليلية نفسية: من الوعي إلى التعديل
يدعو التحليل النفسي إلى منهج يعتمد على التحليل وإعادة النظر واكتساب الوعي، مما يتيح لاحقًا تعديل السلوكيات وتكييفها. وفي سياق التنمر، تكون القضية ذات طابع عاطفي عميق: فالألم واللذة مرتبطان ارتباطًا لا ينفصم. فلا وجود للذة دون ألم، ولا للألم دون لذة.
الضحية تشعر بألم عميق وتسعى في الوقت نفسه إلى نوع من اللذة أو التهدئة. وعلى العكس، يشعر المتنمر بلذة – غالبًا ما تكون مرتبطة بالسلطة أو الهيمنة – هروبًا من ألمه النفسي الخاص. هذان المساران، رغم تعارضهما الظاهر، يتشابكان ويغذي كل منهما الآخر.
الندوب غير المرئية: الألم والمرونة العصبية
يترك الألم العاطفي ندوبًا في الدماغ، مشكلاً مسارات عصبية تعزز من الإحساس بالمعاناة. ورغم أن هذه الندوب النفسية قد تكون دائمة، فإن الدعم الإنساني القائم على التعاطف والمودة يمكن أن يسهم في تعديل هذه المسارات، مما يتيح لكل من الضحية والمتنمر فرصة لإعادة البناء النفسي.
التنمر في الخيال الجمعي: رؤية ناقصة
في تصورنا الثقافي، يُختزل التنمر غالبًا في صورة الضحية المتألمة، المنعزلة في شعورها بالظلم والإهانة والعجز. غير أن هذه النظرة تُغفل معاناة المتنمر، الذي – رغم التناقض – يعاني هو أيضًا من جراح نفسية عميقة. فالمتنمر غالبًا ما يكون أسيرًا لإحباطات نفسية، ويسعى من خلال ممارسة السيطرة إلى تهدئة ألمه الداخلي.
هذا لا يُبرّر أفعاله بأي حال، لكنه يشير إلى أن كلا الطرفين في حاجة إلى المساعدة والتعاطف للخروج من هذه الحلقة المفرغة.
لماذا يسود الصمت لدى الضحايا كما لدى المتنمرين؟
غالبًا ما تنبع جذور التنمر من البيئة العائلية، قبل أن تمتد إلى المدرسة. وهناك عدة عوامل تفسر صعوبة كسر الصمت.
داخل الأسرة: قد يتعرض الطفل لسلسلة من الملاحظات العدوانية المتكررة من والديه، عبر المقارنات السلبية أو الإهانات، ما يُعلّمه الصمت وقبول المعاناة، خاصة أن أي محاولة للتمرد تُقابل بالقمع.
بين الإخوة: قد تؤدي المنافسة على جذب انتباه الوالدين إلى سخرية قاسية وألقاب مهينة. وغالبًا ما يُقلّد الأطفال سلوك الوالدين الذين قد يكونون متنمرين بأنفسهم. ولا يُعاقب هذا السلوك ولا يُفسّر، مما يُبقي مناخ العنف الصامت قائمًا.
في العائلة الموسعة: قد يسخر أفراد من العائلة (مثل الأعمام أو الخالات) من الطفل، بينما يتجاهل الوالدان الموقف أو يسخران منه، ما يعزز شعور الطفل بالخذلان.
في المدرسة: قد يساهم المعلمون، ولو عن غير قصد، في بدء سلسلة التنمر عبر تعليقات مهينة يتلقفها التلاميذ الآخرون كنقطة انطلاق للتنمر.
وهكذا، يترسخ التنمر في شكل “طبيعي” منحرف، حيث يُصبح التنمر والتعرض له أدوارًا مكتسبة يُعاد تمثيلها عبر تقليد سلوكيات البالغين المرجعيين
إن فهم التنمر من منظور التحليل النفسي يسمح بتجاوز السطحيات والغوص في المعاناة المتقاطعة للطرفين المعنيين. ويُمهّد هذا الفهم الطريق إلى رعاية قائمة على التعاطف، تدعم التعديل العصبي وإعادة البناء النفسي، وهو أمر ضروري لكسر دائرة العنف واستعادة علاقات إنسانية أكثر صحة.
الدكتور جواد مبروكي
طبيب نفساني ومحلل نفساني