اعنيكر يكتب: العدالة والتنمية… ديمقراطية داخلية تصنع الفرق

بينما تعيش بعض الأحزاب لحظات احتقان داخلي لا تجد لها حلاً سوى في الفوضى والانفعالات، يثبت حزب العدالة والتنمية مرة أخرى أنه استثناء تنظيمي في الساحة السياسية الوطنية. فوسط مشاهد الكراسي المتطايرة والصراخ داخل المؤتمرات، يبرز “المصباح” كحزب اختار منذ نشأته أن يجعل من الديمقراطية سلوكاً يومياً لا مجرد واجهة إعلامية.
ففي مشهد حزبي مغربي تتداخل فيه اللحظات التنظيمية أحياناً بالعنف اللفظي والمادي، وتُدار فيه الخلافات بالصراخ أو حتى تطاير الكراسي في بعض المؤتمرات، يبرز حزب العدالة والتنمية كنموذج فريد يُؤْمِن بأن الديمقراطية ليست مجرد شعار يرفع عند الحاجة، بل منهج حياة سياسية، وثقافة تنظيمية متأصلة في بنيته وهويته.
لقد أثبت مناضلو الحزب، عبر محطات متعددة، تمسكهم القوي بالاختيار الديمقراطي، سواء في طريقة تدبير الخلافات الداخلية، أو في تنظيم المؤتمرات، أو في الحسم المؤسساتي في القرارات الكبرى. هذه الممارسة الواعية والمسؤولة جعلت من حزب العدالة والتنمية حالة سياسية فريدة، استطاع أن يحافظ على تماسكه التنظيمي رغم كل التحولات والهزات التي عرفها المشهد الوطني.
وقد تجلى هذا التماسك والالتفاف حول المشروع التنظيمي بوضوح في نجاح المؤتمر الوطني الأخير للحزب، الذي انعقد يومي 26 و27 أبريل الجاري ببوزنيقة في ظروف استثنائية، حيث حُرم الحزب من الدعم المالي العمومي الذي تخصصه وزارة الداخلية للأحزاب السياسية، وذلك وفق مقتضيات القانون التنظيمي للأحزاب. هذا الحرمان لم يكن عقبة، بل شكل لحظة حشد استثنائي، حيث لبّى مناضلو الحزب والمتعاطفون معه نداء الواجب الذي أطلقه الأمين العام عبد الإله بن كيران، داعياً إلى التبرع والمساهمة المالية لإنجاح المؤتمر.
وجاءت الاستجابة غير مسبوقة، حيث تدفقت التحويلات البنكية من كل ربوع الوطن، وتمكنت إدارة الحزب من تغطية تكاليف المؤتمر بالكامل، بل إن ما جُمع من التبرعات فاق بكثير ما كانت تقدمه الوزارة من دعم. في هذا الدرس التنظيمي العميق، يُثبت “المصباح” أن قوته الحقيقية تنبع من الثقة التي يحظى بها وسط مناضليه، ومن روح الالتزام التي يتشربونها.
ومن أبرز مخرجات هذا المؤتمر، التصويت بالإجماع تقريباً على تجديد الثقة في عبد الإله بن كيران كأمين عام للحزب لولاية ثانية، في إشارة واضحة إلى تمسك القواعد بشخصه ورؤيته، ورغبتها في استمرارية مسار الإصلاح المتوازن والفاعل.
هذا الاختيار ليس فقط وفاءً لمرحلة قيادية متميزة، بل تعبير عن أمل جماعي في استرجاع الحضور السياسي النوعي الذي عرف به الحزب خلال العقد الماضي.
فبينما تنزلق بعض الهيئات السياسية إلى ردود فعل انفعالية في لحظات الاختلاف، يراهن “العدالة والتنمية” على الحوار الداخلي، والاحتكام إلى الشرعية التنظيمية، والإرادة الجماعية التي تعبّر عنها مؤسساته المنتخبة. وهذا ما منح الحزب قدرة كبيرة على التجدد من الداخل، دون أن يفقد هويته أو ينقسم على نفسه.
قوة الحزب، إذن، لا تكمن فقط في خطابه السياسي أو امتداده المجتمعي، بل في قدرته على تحويل الديمقراطية إلى ممارسة يومية داخلية، تعزز الثقة بين القواعد والقيادة، وتؤسس لسلوك سياسي راقٍ، يضع المصلحة التنظيمية والوطنية فوق كل اعتبار.
في زمن تزداد فيه الحاجة إلى أحزاب مسؤولة، تُقنع بالفعل لا بالكلام، يقدم حزب العدالة والتنمية نموذجاً لحزب ديمقراطي حقيقي، يحترم مؤسساته ومناضليه، ويجعل من تدبير الاختلاف مدخلاً للبناء، لا مدعاة للتفكك.
عبد النبي اعنيكر