حسن بوهيا… حين يحلّق التجريد في سماء الموسيقى التشكيلية

منذ أن كان طفلاً مولعاً برسم الخطوط والعلامات، بدأ عشق الفنان المغربي حسن بوهيا للفن التشكيلي يتشكل مبكرًا، لينضج لاحقًا مع تجربته الأكاديمية في “المدرسة المحمدية للمهندسين” بالرباط في ستينيات القرن الماضي، حيث تعمقت نظرته نحو الأشكال والخطوط من خلال مقاربة تقنية وجمالية أكثر دقة وعمقًا،
واتسعت رؤيته للفن، وأصبح يرسم الأشكال الهندسية بروح فنية عالية، حيث امتزج التكوين الأكاديمي بالحس الإبداعي.

في حديث صحفي، يؤكد حسن بوهيا أن أعماله تتأسس على فلسفة تشكيلية تعتبر الخطوط لغة أولى، بينما تحضر الألوان لاحقًا لتكمّل اللوحة وتثريها بصريًا. يقول: “لوحاتي تزاوج بين الخطوط والألوان، وتقدم في شكل سيمفونية موسيقية. لا أختار الألوان، بل هي التي تختار نفسها بتلقائية، والخطوط هي التي تعبر عن أفكاري وأحاسيسي ووجداني”.
في بوحه، يستحضر بوهيا مساره الفني ويكشف عن فلسفته التشكيلية، مؤكدًا أن أعماله تتجاوز حدود الألوان لتُشيّد عالمًا تتصدره الخطوط. “الألوان تأتي لاحقًا لتكمّل اللوحة، بينما تعبر الخطوط عن أفكاري ومشاعري ووجداني”، يقول الفنان. ويضيف: “لوحاتي أشبه بسيمفونيات موسيقية، تزاوج بين الخطوط والألوان، وتحاكي لغة كونية راقية لا تحتاج إلى ترجمة”.
نعم يشدد الفنان بوهيا: “لوحاتي تزاوج بين الخطوط والألوان، وتقدم في شكل سيمفونية موسيقية. لا أختار الألوان، بل هي التي تختار نفسها بتلقائية، والخطوط هي التي تعبر عن أفكاري وأحاسيسي ووجداني”..

يُشَبّه حسن بوهيا ورشته بـ”محراب”، حيث يمارس طقوسه الإبداعية صباحًا ومساءً، في لحظات تتوهج فيها الفكرة وتتشكل فيها الرؤية. يختار التجريد لأن “عالمه الواسع والمتحرر من قيود الواقع يمنح الذات حرية والوجدان قوة”، كما يقول. لا يدع فكرة تمر، بل يسجلها في كراسات ومذكرات صغيرة ترافقه أينما حل، في تنقلاته ويقظته ومنامه، لتكون زادًا لإبداع لا يعرف السكون.
ويؤكد في هذا الإطار: “اخترت التجريد لأنه يحلق بي بعيدًا في عوالم فسيحة مجردة عن الواقع، تمنحني حرية داخلية وتُرجّ كل دواخلي. لا أترك فكرة تمر دون أن أدونها في كراسات صغيرة ترافقني أينما حللت وارتحلت”.

بالنسبة لبوهيا، فإن الفن التشكيلي يجب أن يكون لغة كونية، لا تحتاج إلى شروح أو وسائط. يقول: “أسعى إلى إنتاج لوحات تتحدث بلغة عالمية راقية، تخاطب من يعشق الجمال ويحب الحياة، مهما كانت لغته أو ثقافته”.

رغم أن بوهيا لم يكن يعلم بوجود مدرسة تسمى “الفن التشكيلي الموسيقي” (ميزيكاليزم)، إلا أن الناقد الفرنسي دانييل كوتيريي رأى في لوحاته تجسيدًا لهذه الحركة الفنية التي أسسها الفرنسي هنري فالنسيا. وقد وصفه بـ”رائد الفن التشكيلي الموسيقي”، ليس فقط في المغرب، بل على مستوى عالمي، داعيًا إياه إلى الحفاظ على أسلوبه الخاص الذي يمنحه تميزًا فنيًا نادرا. لكن بوهيا يؤكد أن هذا الأسلوب ولد معه، وقبل أن يُصنَّف ضمن أي مدرسة، وأن هذا التوصيف لم يغيّر من جوهر تجربته، بل زادها وعيًا بفرادتها.
لقد اعتبره هذا الناقد الفرنسي من رواد هذا التيار على المستوى العالمي، وليس فقط في المغرب. غير أن هذا الأسلوب لم يكن وليد هذه التسمية، بل كان يعبر عن شخصيته التشكيلية قبل أن يلتقي بالناقد الفرنسي: “كوتيريي فقط عمّق لدي الوعي بخصوصية أسلوبي، وشجعني على التمسك به”.

أعمال بوهيا تجاوزت حدود المعارض وأجنداتها، إذ يرى أن العملية الإبداعية لا ترتبط بمواعيد أو مناسبات، بل تنبع من لحظة وجدانية داخلية. لوحاته تجاوزت الحدود الجغرافية وجابت العالم، من المغرب إلى فرنسا وأمريكا ومصر، ووجدت صدى خاصًا في المشرق العربي. يقول: “ربما الجاذبية تكمن في البُعد الجمالي والهندسي التجريدي للوحاتي”. ويأمل أن يعرض في بلدان الخليج العربي، حيث يشهد الفن التشكيلي حركية ونقدًا مزدهرين.

في النهاية، يبدو أن حسن بوهيا لا يرسم لوحات فقط، بل ينحت موسيقى صامتة على القماش، ويحوّل الخطوط إلى نوتات لونية تعزف سيمفونيات الذات والكون. فهل يمكن أن نجد في عالم التجريد ما ينطق بجمال الحياة أكثر مما تفعل لوحات هذا الفنان المغربي المتفرد؟

فبين الخطوط والألوان وبين الهندسة والموسيقى، يشيد عوالمه التشكيلية الخاصة، عوالم تتحدث بلغة الجمال، وتلامس الوجدان بلطف سيمفوني لا يُترجم، بل يُحس ويُبصر.
بكل اختصار هذا هو الفنان حسن بوهيا، وهذه هي عوالمه الفاسحة والمجردة.

مقالات ذات صلة