“الحرية بين المُتخيَّل والمُؤجَّل: عبد الله العروي وتفكيك الوهم الليبرالي”

بقلم: د. عبدالإله طلوع، باحث في القانون العام والعلوم السياسية
في زمن صار فيه لفظ “الحرية” عملة رائجة في كل خطاب، من خطب الساسة إلى منشورات الفيسبوك، يخرج عبد الله العروي عن السرب ليقول: لسنا أحرارًا لأننا لا نفهم ما هي الحرية.
ليس لأننا نرفضها، بل لأننا نُحمّلها ما لا تحتمل، ونمارسها كما لو كانت شعارًا أخلاقيًا، لا نظامًا ثقافيًا وسياسيًا متكاملًا.
الحرية ليست فطرة… بل بناء تاريخي
منذ كتابه “مفهوم الحرية”، يدخل العروي في صراع مزدوج: ضد الفهم السطحي الذي يجعل الحرية صفة فطرية ثابتة، وضد التصورات التراثية التي ترى فيها انحرافًا عن الطاعة.
الحرية، كما يُعرّفها، هي نتاج تطور اجتماعي وفكري، وليست “عطية ربانية” أو “حالة طبيعية”. إنها، في جوهرها، وعيٌ بالذات ضمن سياق عقلاني يخضع للفرد للقانون، لا للهوى ولا للزعيم ولا للفتوى.
الحرية بين التصور الليبرالي والوهم العربي
ينتقد العروي بشدة “الليبرالية العربية” التي استوردت مفردات الحداثة دون فهم حمولتها. نحن نردد مفاهيم مثل “الحقوق”، “الحرية الفردية”، و”حرية التعبير”، دون أن نُخضعها للسياق الثقافي والتاريخي الذي نشأت فيه.
النتيجة؟ خطاب حرية هشّ، فاقد للسند المؤسسي، يعيش على الهامش بين الدولة السلطوية والمجتمع المحافظ.
الحرية كوعي قانوني لا كحلم فردي
لا تتحقق الحرية عند العروي إلا حين تتحول إلى قاعدة قانونية، أي حين يصبح القانون فوق الجميع، ويُفهم كمجال لتنظيم التعدد، لا قيدًا على الإرادة.
أما الحرية التي نُطالب بها اليوم، فهي في الغالب مطلب انتقائي، يريد الحقوق دون الواجبات، ويريد التحرر دون دولة، ويريد التعبير دون مؤسسات. وهذا، في منطق العروي، لا علاقة له بالحرية، بل بنوع من “النرجسية الثقافية”.
متى نكون أحرارًا؟
يسألنا العروي سؤالًا قاسيًا: هل نستحق الحرية قبل أن نفهمها؟ فهو يرى أن الحرية ليست نقطة الانطلاق، بل الغاية. وهي لا تُمنح، بل تُنتزع، ليس من الحكّام فقط، بل من داخل البنية الذهنية التي تقدّس الطاعة وتُشيطن النقد.
العروي والحرية كإكراه تاريخي
ربما تكون أعظم مساهمة للعروي في هذا الباب، هي ربطه بين الحرية والتاريخانية.
الحرية ليست “موقفًا أخلاقيًا”، بل ضرورة يفرضها تقدم الوعي البشري. هي ليست “اختيارًا ثقافيًا”، بل “إكراهًا تاريخيًا” على الخروج من الجهل والامتثال، نحو بناء الذات الحرة داخل الدولة الحديثة.