مستقبل نزاع الصحراء بعد إحاطة ديميستورا

لاحظ الجميع ألا أحد من أطراف النزاع أبدى تعليقا رسميا على إحاطة ستيفان ديميستورا بمجلس الأمن في الرابع عشر من أبريل الجاري، وإذا كان الأمر طبيعيا بحكم أن جلسة الإحاطة هذه، لم يعقبها أي قرار لمجلس الأمن، بحكم أنها تأتي فقط لاطلاع مجلس الأمن على خلاصات جهود المبعوث الشخصي للأمين العام في منتصف مهمة المينورسو كما هو مقرر في القرار الأخير لمجلس الأمن، فإن مضمون هذه الإحاطة، بعثت برسالة واضحة بأن ملف الصحراء، أمام مفترق طرق، إما أن يحل عبر مجلس الأمن في ظرفية لا تتعدى ستة أشهر بناء على الزخم الذي تحقق في الشهور الأخيرة، وإما أن مجلس الأمن، سيعلن فشله في إدارة هذا الملف، وسيترك الملف لتدبير القوى الدولية الفاعلة.
من حيث مضمون الإحاطة، يمكن أن نؤكد بأن الجزائر كانت هي الخاسرة الأكبر، إذ لم تتضمن الإحاطة أية إشارة لا إلى خيار الاستفتاء التي ظلت الجزائر متمسكة به كخيار وحيد لتقرير المصير، ولا إلى خيار التقسيم الذي كانت تقترحه كلما أحاطت بها الأزمات من كل جانب، فالإحالة في مضمونها الكبير، بنت على الزخم الدولي الذي تحقق، لاسيما موقف الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا اللتين اعترفتا بسيادة المغرب على صحرائه، وأكدتا على أن المقترح المغربي للحكم الذاتي هو الأساس الصلب للتفاوض بين الأطراف المعنية لتسوية هذا النزاع.
ستيفان ديميستورا تحدث عن ثلاثة أشهر كمدى زمني لتسريع التفاوض حول الحكم الذاتي، بينما وضعت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا الجزائر أمام ضغوط شديدة للانخراط في هذا المسار.
دبلوماسيا، يمكن القول بأن الجزائر فقدت الدعم أمميا، فلا المبعوث الشخصي للأمين العام أبقى الحل مفتوحا ليستوعب ما كانت تتشبث به، ولا هي تجد سندا في أحد أعضاء مجلس الأمن، بعد أن انحازت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا لأطروحة المغرب، وفقدت الجزائر دعم روسيا، التي شرعت في إقامة تحالفات استراتيجية مع دول الساحل دونها (القمة الرباعية في موسكو) وذلك منذ أن ردت موسكو على الجزائر برفض عضويتها في مجموعة «البريكس» على خلفية خضوعها للضغط الأمريكي والأوروبي وانخراطها في قواعد لعب تضر بالمصالح الاستراتيجية لموسكو.
سياسيا، تزداد الضغوط على الجزائر من جهتين، فالولايات المتحدة الأمريكية أشهرت ورقة تصنيف جبهة البوليساريو كجماعة إرهابية، بينما تُمسك باريس بورقة «الصحراء الشرقية»، وتمارس ضغوطا شديدة على الجزائر هذه الشهور، من أجل حل مشكلة الهجرة بمنظارها الخاص، وفي الآن ذاته كسب امتيازات كبيرة على شاكلة ما حصلته في زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر 2022.
جزء من نخب الداخل في الجزائر بدأت تستشعر الخطر، بعد أن لم يبق للجزائر أي حليف على حدودها، باستثناء نظام قيس سعيد الذي يعيش أزمة مشروعية، ويعرف اختناقا اقتصاديا واحتقانا اجتماعيا متصاعدا، وقد أكد وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف هذا الواقع.
المغرب هو الآخر، يعيش ضغطا مقابلا، لكنه أقل بكثير من الضغط الذي تعيشه الجزائر، فقد وضعه ديميستورا أمام تحدي تفصيل مقترحه للحكم الذاتي، وهو ما كان دائما يؤجله إلى حين أن تعبر جبهة البوليساريو عن قبولها المبدئي بهذا المقترح، وتنخرط بشكل جدي في التفاوض على أساسه، وهو ما لم يحدث إلى اليوم.
ديميستورا حدد أفقا لتقييم قدرة مجلس الأمن على حل النزاع، وهي ثلاثة أشهر من الانخراط الفوري للأطراف المعنية في التفاوض، مع أن مهمة المينورسو تزيد عن هذه المدة بثلاثة أشهر أخرى، فمجلس الأمن لن يجتمع لإصدار قراره «الأخير» بشأن ملف الصحراء حتى أكتوبر القادم، وهو (ديميستورا) بذلك يضع أجلا لتقييم مهمته، ومدى إمكان النجاح فيها، أو ترك هذا الملف لوساطة القوى الدولية الفاعلة وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
في المحصلة، ثمة مفارقة بين وضع الأطراف، فالمغرب متفائل بإمكان حل هذا النزاع مع الاحتفال بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء (6 نوفمبر المقبل) على حد قول الممثل الدائم للمملكة المغربية بمجلس الأمن السيد عمر هلال، وما يبرر هذا التفاؤل أن كلا من خيار الاستفتاء والتقسيم أصبح خارج الطاولة، ولم تعد إلا مبادرته للحكم الذاتي فوقها، بينما تعيش الجزائر هذه الشهور بين خيارين السيئ والأسوأ: إما الانخراط في هذا المسار(السيئ) وبالتالي، تعريض مشروعية النظام للمساءلة، بعد أن أمضى حوالي خمسة عقود يضيع إمكانات هائلة في سبيل خيار غير واقعي وغير قابل للتطبيق، ليأتي المغرب في النهاية، ويكسب المعركة، وإما أن تناكف هذا المسار (الأسوأ) وتجد نفسها أمام مشكلة البوليساريو، سواء عند تصنيفها أمريكيا جماعة إرهابية، وفي هذه الحالة، فإن السؤال سيتوجه إليها (الجزائر) باعتبارها راعية لها، وإما سيكون من الضروري أن تواجه مشكلة توطين هذه الجبهة في الجزائر، بما يعني ذلك، وضع منطقة تندوف تحت تحد انفصالي.
هذه المفارقة تعني الكثير اليوم، لكنها في مسار الزمن، قد تعرف مخارج عديدة، وقد تعرف أيضا بعض المتغيرات، فأمام الجزائر مسارات مهمة للتفاوض مع فرنسا، وتملك أوراق اعتماد مهمة للتقليل من وضع باريس البيض كله في سلة الرباط، ولها أيضا إمكانات للتفاوض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وإغرائه ببعض الصفقات، أو حتى تغيير بعض المواقف «الحيوية»، حتى تخفف الضغط عنها، فإعلان مشاركة الجزائر في مناورات الأسد الإفريقي التي تشارك فيها إسرائيل قبل أن تغير موقفها بـ24 ساعة قبل انطلاق المناورات، تعكس وجود تردد في الإقدام على تنزيل مفهوم «التأقلم» الذي بدأ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يستعمله ويدعو إليه، وما إذا كان يعني أيضا التوجه بخطوات محسوبة للتقارب مع إسرائيل؟
في الواقع، وأمام هذه التحولات الكبرى، ثمة خيار أفضل للجزائر وللمغرب، وهي أن تتجه إلى الاستجابة لسياسة اليد الممدودة التي عبر عنها الملك محمد السادس في خطابات رسمية أكثر من مرة، وأن تنخرط في حوار جدي مع الرباط خال من الضغوط الغربية، وأن يتم التفكير في «حل الجيران» لمشكلة مفتعلة بالاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، وترسيم الحدود بين البلدين، وأن يكون أفق الحوار اندماجا مغاربيا قويا، وفتح الحدود، وبناء اقتصاد تكاملي في المنطقة، ووضع أسس كتلة مغاربية قوية، تمارس تفاوضها مع الاتحاد الأوروبي، وتنهي لعبة التوازن التي استغلت أوروبا وأمريكا عقودا من الزمن لإضعاف الطرفين.
هذا الخيار هو أفضل لهما بكثير مما يطرحه ديميستورا، وهو الذي يضعهما بعيدا عن أي ضغط، ويجعل قوتهما العسكرية صمام أمان للمنطقة، وسبيلا لحل التوترات في دول الساحل جنوب الصحراء، ويعفيهما من بذل أي ثمن (ثروة وطنية طاقية أو معدنية نادرة) للدول الغربية مقابل كسب نقاط هنا أو هناك.
بلال التليدي/ نقلا عن القدس العربي