الداودي يكتب.. فشل المقاربة التنموية بالصحراء

لا يكاد يمر زمن ما دون أن نلاحظ موجة من الاحتجاجات الاجتماعية بمختلف مدن الصحراء من العيون الى الداخلة مرورا ببجدور والسمارة.
وعنوان هذه الاحتجاجات يتمحور حول المطالبة بالشغل أو الاحتجاج على عدم الاستفادة من بعض المزايا التي يصطلح عليها هناك بهذه الأقاليم..كرطيات..
هذا دون أن ننسى أن هناك شباب من حملة الشهادات يعانون من لهيب البطالة، بالإضافة إلى فئات اجتماعية أخرى من أهل الصحراء باتت تنظر إلى حالها وكأنها غريبة عن المنطقة بحكم انها أضحت لا تمتلك حتى مسكن خاص بها.
في المقابل تقدم هذه الأقاليم على أنها عنوان على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وانها عنوان على نجاعة سياسة الاندماج ولا تنفك وسائل الإعلام على تصوير هذه المناطق بصور فوقية تظهر التطور العمراني وشق الطرق والبنايات الشاهقة حتى كاد البعض أن يطلق على العيون مثلا اسم مدينة الدار البيضاء الثانية.
لكن كل هذا لا يجيب عن سؤال جوهري يمكن تلخيصه على الشكل التالي .
هل المقصود بالتنمية التي تم سنها بهذه الأقاليم كان الغرض منها استهداف الحجر فقط دون انعكاس ذلك على تنمية الإنسان.
وهل تم فقط حصر انعكاس هذه التنمية على نخبة محدودة يتم تقديمها على أنها نموذج لجميع سكان الصحراء؟
لا شك أن الدولة بإعتبارها المستثمر الأول في هذه المناطق قد وضعت الكثير من الأموال تحت تصرف عدد من القطاعات الاجتماعية وهذا تحصيل حاصل بحكم أن مدن الصحراء نتفق على توفرها على العديد من مظاهر التمدن من مستشفيات وطرق وموانئ ومطارات.
بالرغم من عزوف رجال الأعمال المغاربة الكبار عن جعل هذه المنطقة مجالا حيويا للاستثمارات قوية تساهم إلى جانب الدولة في التغلب على الكثير من المشاكل الاجتماعية.
اللهم اذا استثنينا بعض الاستثمارات في قطاع الصيد البحري التي لا تتجاوز مصانع لتخزين وتعليب الأسماك ونقلها إلى وجهات داخلية قصد التصدير والاستهلاك الداخلي.
الإنسان بالمفهوم المتداول محليا بالصحراء ..أهل التراب…أينهم من هذا كله.
وهل كارطيات الإنعاش وبعض الفتات هنا وهناك يمكن أن نسميه نجاح للمشروع التنموي بالصحراء .
حتى بعض المواد الغذائية الاساسية التي كانت في ما مضى معفية من بعض الضرائب كالزيت والسكر والدقيق المدعم تحولت اليوم إلى مجال للمضاربة مما جعل أثمنتها تتجاوز ما هو موجود بداخل المملكة.
وهل عندما نشاهد نسوة وشباب من أهل المنطقة ينظمون وقفات للمطالبة بالحد الادنى …كارطية إنعاش وطني …وهناك بعض المنظرين التافهين الذين يختصرون التحليل فقط على أن هذا نوع من الريع والحال أن كارطية الانعاش لا تتجاوز ألف درهم ألااقليل .
بينما الريع الحقيقي يتم على أشكال من الاحتراف التجاري والسياسي الذي بات معه الإمساك بشبكة خيوطه من سابع المستحيلات بحكم تداخل الفاعل الإداري والسياسي فيه بشكل انتهازي لا مثيل له في أي جهة من جهات المغرب .بل نكاد نجزم اليوم أن الريع السياسي والاقتصادي بالصحراء أضحى محميا بمظلات سياسية ودعم إداري محلي يستفيد هو الاخر من خدماته تجاه هذا الوضع …
هنا يمتزج أيضا الاحتجاج على الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للشرائح المستضعفة مع الشق السياسي للصحراء .
فيعود اولائك المحللون التافهون الذين يحاولون أن يجدوا رابطا وهميا بين أي احتجاج اجتماعي عادي مع فكرة الانفصال.
مع العلم ان إنسداد الافق لدى الشباب بالدرجة الاؤلى يؤدي حتما إلى الكفر بالاوطان.
وهذا يتجلى بصورة واضحة في ركوب زوارق الهجرة السرية والاكيد أن الارتماء في أحضان الفكر الانفصالي لدى البعض هو الاخر تعبير عن فشل السياسات العمومية التي استثمرت في الحجر وتناست البشر
محمد الداودي

مقالات ذات صلة