النقابة المستقلة لأطباء القطاع العام تعبر عن استيائها من تحميل الأطباء مسؤولية أعطاب المنظومة الصحية

عبّر المكتب الوطني للنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام عن اندهاشه العميق واستيائه البالغ مما يُروَّج في بعض المنابر الإعلامية من تصريحات وتحليلات، سواء صادرة عن مسؤولين أو أشخاص بعينهم، تسعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى إلقاء تبعات اختلالات المنظومة الصحية على عاتق العاملين في هذا القطاع، وفي مقدمتهم الأطباء، متجاهلة ما يبذلونه من جهود وتضحيات رغم قساوة الظروف وضعف الإمكانيات.

وأكد المكتب، في بيان صدر يوم السبت 4 أكتوبر 2025، أن من يعمل في أوضاع غير مواتية وبإمكانات محدودة لا يمكن أن يكون سبب الأزمة، بل هو أول المتضررين منها، مشيرًا إلى أن النقابة كانت دائمًا سباقة إلى دق ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بـ”السكتة القلبية” التي تهدد المنظومة الصحية، في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية تنهي زمن المعالجات السطحية والظهور الإعلامي دون مضمون.

وأوضح البيان أن مكامن الخلل تعود بالأساس إلى هشاشة البنية التأسيسية للمنظومة، وافتقارها للعدالة الاجتماعية والمساواة التي ينص عليها الدستور، إضافة إلى اعتماد غير متوازن على القطاع الخاص، دون مراعاة للواقع الاجتماعي والاقتصادي للمواطنين. وأضاف أن بعض التصريحات الصادرة عن مسؤولين دعت بشكل صريح إلى انسحاب الدولة من قطاعي الصحة والتعليم، مما أسفر عن نقص حاد في الموارد البشرية والتجهيزات، وغياب رؤية واضحة للإصلاح.

وشددت النقابة على أن الطبيب في القطاع العام ظلّ، رغم الإكراهات، ركيزة أساسية لضمان استمرارية المرفق العمومي، من دون أي اعتراف رسمي يُقدّر جهوده، سواء على المستوى المادي أو المعنوي، معتبرة أن الخطابات التي تحمّله مسؤولية فشل السياسات الصحية ما هي إلا تصريحات شعبوية مجانية تُغذي الاحتقان وتحرض على الأطر الصحية، عوض مواجهة الأسباب الحقيقية للأزمة.

وفي هذا الإطار، طالبت النقابة بإعادة بناء منظومة صحية قائمة على مبادئ المواطنة والمساواة، تضمن الولوج العادل للعلاج وتوفّر للطبيب ظروف عمل إنسانية ومهنية تليق بدوره، مشيرة إلى أن من يتحمّل عبء تقديم الخدمات الصحية في المناطق النائية والمعزولة هو طبيب القطاع العام من خلال مبادراته الإنسانية والوطنية.

كما حمّل المكتب الوطني مسؤولية تصاعد موجات الغضب والاحتجاج داخل القطاع إلى السياسات الحكومية المتعاقبة، التي عجزت عن إصلاح الخلل الهيكلي للمنظومة، في مقابل ارتفاع الطلب المجتمعي على العلاج وتراجع الميزانيات المخصصة للصحة.

وجددت النقابة تأكيدها على مساندتها التامة لكافة المطالب العادلة والهادئة التي تنادي بالحق في الصحة، معلنة استعدادها الكامل للانخراط في أي مبادرة إصلاحية جدية تستهدف معالجة الأسباب الجذرية للأزمة الصحية، داعية إلى فتح حوار وطني شامل ومسؤول، بعيدا عن المعالجات الفوقية والسياسات الظرفية.

وفي ختام بيانها، نبهت النقابة إلى أن أي مشروع إصلاحي لا يشرك الأطباء ومختلف المتدخلين في القطاع، ولا يستند إلى تمويل دائم وإدارة ناجعة، سيكون مجرد تكرار لمحاولات سابقة فاشلة. ومن هنا، دعت إلى:

  • وضع حلول فعلية لمعضلة التمويل من خلال مراجعة التعريفة المرجعية وتوحيدها بين القطاعين العام والخاص دون تحميل المواطنين أعباء إضافية.

  • تعزيز المستشفيات العمومية، وسد النقص في الأطر والمعدات.

  • الإبقاء على استقلالية شبكتي الطب الوقائي والعلاجي، مع تطوير خدمات الطب العائلي في المناطق الهشة.

  • ضمان الاستقرار المهني والوظيفي للأطباء، وتأمين حقوقهم القانونية والإدارية.

  • تحفيز الأطباء مادياً ومعنوياً للتقليل من الاستقالات والهجرة والعزوف.

  • وضع مسارات مهنية منصفة، وبناء شراكة متوازنة بين القطاعين العام والخاص.

وختمت النقابة بيانها برفض أي محاولة للنيل من وطنية الأطباء أو تشويه صورتهم، مشددة على أن الخطابات الشعبوية لن تفضي إلا إلى مزيد من التأزيم، داعية في المقابل إلى بلورة خارطة طريق حقيقية وشاملة لإصلاح القطاع الصحي، على غرار ما قام به الأطباء من أدوار وطنية مشرفة خلال فترات الأزمات، مثل جائحة كوفيد وزلزال الحوز.

ودعت النقابة في الأخير كافة الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان إلى توحيد صفوفهم والالتفاف حول نقابتهم المستقلة، للدفاع عن مهنتهم وكرامتهم، مؤكدة أن معركة الحق في الصحة وكرامة الطبيب لا يمكن كسبها إلا بوحدة الصف والمسؤولية الجماعية.

مقالات ذات صلة