الاتحاد الاشتراكي بسطات… انبعاث من قلب الهامش نحو أفق العدالة المجالية

في مشهد سياسي يشي بعودة الروح الاتحادية إلى عمق الشاوية، عقد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مؤتمره الإقليمي بإقليم سطات يوم الأحد 6 يوليوز 2025، في قاعة غوزي للأفراح، وسط حضور جماهيري وازن ونقاشات سياسية عميقة، أعادت إلى الأذهان زمناً كانت فيه سطات منارات النضال الديمقراطي والاجتماعي، لا مجرد نقطة هامشية في خريطة التنظيم الحزبي.

جاء المؤتمر تحت شعار ذي دلالة قوية: “تخليق العمل السياسي مدخل أساسي لتنمية مجالية منصفة”، وهو الشعار الذي تلخّصت فيه روح المؤتمر، بوصفه لحظة استنهاض سياسي من قلب التهميش، وإعلاناً عن نية جادة لإعادة تموقع الاتحاد في المجال الترابي والاجتماعي بالإقليم.

بهلول: نحو عدالة ترابية وإنصاف الفئات المهمشة

رشيد بهلول، المنسق العام للجنة التحضيرية، افتتح الجلسة بكلمة رصينة أبرزت الجهد الجماعي الذي طبع مسار الإعداد، من خلال انفتاح واسع على الفروع والمناضلين، بمن فيهم الشباب والنساء والقدماء، ما أعطى المؤتمر طابعاً ديمقراطياً شاملاً، كما لم تفته الإشارة إلى مظاهر الاختلال التنموي الصارخ التي تعيشها جماعات الإقليم، داعياً إلى سياسات عمومية تنطلق من أولويات واقعية: دعم الفلاحين الصغار، خلق فرص التشغيل، وتجويد الخدمات العمومية، بما يعيد الثقة إلى السياسة والحزبية معاً.

طلوع: من لحظة انكسار إلى أفق استعادة الدور

في كلمة حماسية، خاطب الدكتور عبد الإله طلوع – عضو اللجنة التحضيرية والمكلف بالشبيبة والطلبة – وجدان الحاضرين، واصفاً المؤتمر بأنه لحظة عودة الاتحاد إلى حضنه الطبيعي في سطات، واستحضر طلوع ما سماه بـ”الفراغ القاتل” الذي خيّم على الحزب لأكثر من عقد، مذكراً بتاريخ سطات النضالي، وبدور رموزها في بناء الاتحاد والدفاع عن قضاياه.
وتجاوزت كلمته البعد التنظيمي إلى البعد الرمزي والسياسي، حين اعتبر أن الانبعاث الاتحادي بسطات ليس شأناً محلياً، بل ضرورة استراتيجية تستدعي اهتمام المكتب السياسي، وربط سطات من جديد بمشاريع الحزب الوطنية الكبرى.
وختم دعوته بضرورة “بناء حزب اشتراكي حقيقي، متموقع بوضوح في معسكر قضايا الشعب”.

المزواري: تجديد الثقة… وتحول التنظيم إلى قوة اقتراحية

أما الكاتب الجهوي المهدي المزواري، فقد رسم ملامح الحضور الاتحادي المتجدد بجهة الشاوية، مؤكداً أن الحفاظ على المقعد البرلماني بالإقليم هو تعبير عن تجديد الثقة في المشروع السياسي الاتحادي، وليس فقط مكسباً عددياً، ودعا إلى ترجمة هذا الزخم إلى فعل سياسي يومي، يستوعب تحولات المجتمع المحلي، ويواجه الهشاشة والإقصاء بتصورات عملية وتواصل دائم.

مداخلات نسائية وشبابية تسائل السياسات العمومية

تميزت أشغال المؤتمر بمداخلات نوعية، من بينها كلمة قوية لقطاع النساء الاتحاديات، التي سلطت الضوء على معاناة المرأة القروية في الإقليم، في ظل غياب فرص اقتصادية وارتفاع نسب الأمية، مما يستدعي سياسات دامجة تراعي النوع الاجتماعي وتؤسس لتنمية إنسانية حقيقية.
كما عرفت الجلسة تدخلات شبابية جسدت تعطشاً حقيقياً لفعل سياسي مسؤول، وربط مباشر بين النضال الحزبي والعدالة المجالية.

شهيد: أين موقع سطات في خرائط التنمية؟

رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، عبد الرحيم شهيد، خاطب الحاضرين بلغة سياسية صريحة، تساءل فيها عن التراجع التنموي الخطير الذي تعرفه سطات، مدينة الشاوية الكبرى سابقاً، والتي باتت اليوم تعاني التهميش وغياب المشاريع الكبرى، رغم قربها الجغرافي من قطبين تنمويين كبرى هما الدار البيضاء ومراكش.
وانتقد شهيد بشدة السياسات الحكومية التي تجاهلت معاناة الفلاحين الصغار، متعهداً بمواصلة الترافع من موقع المعارضة البرلمانية عن الفئات الهشة، وقد اعتبر المؤتمر لحظة لإعادة الروح إلى الاتحاد بالإقليم، داعياً إلى تحويل هذا الزخم إلى قوة سياسية دائمة.

لشكر: لا يمكن تهميش مدينة من طينة سطات

ذروة المؤتمر كانت كلمة الكاتب الأول للحزب الأستاذ إدريس لشكر، الذي تفاعل بحرارة مع مداخلات المناضلين، ووجه نقداً مباشراً للسياسات العمومية التي تكرّس الإقصاء المجالي، متسائلاً عن سبب استبعاد سطات من مشاريع التنمية الكبرى، رغم موقعها الاستراتيجي بين محاور اقتصادية كبرى.

لشكر وجه رسائل واضحة:

أولاً، اعتراف وامتنان لرموز الاتحاد في سطات الذين صمدوا في زمن التيه السياسي.

ثانياً، دعوة إلى تفعيل العدالة المجالية في السياسات العمومية.

ثالثاً، تأكيد أن حزب الاتحاد الاشتراكي ليس حزباً موسمياً، بل مشروع مجتمعي مستمر يتجدد بانبعاث المناضلين وبالاقتراب من نبض الشارع.

وأكد أن المرحلة المقبلة ستشهد انفتاحاً أكبر على الشباب، وربطاً بين العمل الحزبي والنضال الاجتماعي، من أجل كسب رهان استرجاع المبادرة السياسية وإعادة بناء الثقة في الأحزاب كوسيط ديمقراطي.

 

من محطة تنظيمية إلى أفق سياسي

ليس من المبالغة القول إن مؤتمر سطات لم يكن مجرد استحقاق تنظيمي، بل لحظة سياسية بامتياز، كشفت أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يزال قادراً على إثارة النقاش، وتعبئة الطاقات، واستعادة رمزيته في المناطق التي صنعت تاريخه.

لقد كان المؤتمر بمثابة عودة إلى الجذور، لكن بنَفَس جديد، وشباب واعد، وطموح كبير لتوسيع الحضور الحزبي، على قاعدة العمل الجاد والميداني، في مواجهة منطق التفريط واللامبالاة الذي يهدد المشروع السياسي الوطني برمته.

وبات واضحاً أن سطات، كما قال لشكر، ليست مدينة من الدرجة الثانية، بل ورقة استراتيجية في يد من يحسن قراءتها… فهل تلتقط القيادة الرسالة وتُترجمها إلى برنامج ميداني يعيد لسطات مكانتها السياسية والتنموية؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة

مقالات ذات صلة