مصطفى عنترة يدعو الى تنظيم مناظرة وطنية حول الأمازيغية

زينب دافي
في خضم النقاشات الجارية حول التعدد اللغوي والثقافي بالمغرب، طرح الباحث الجامعي مصطفى عنترة مبادرة لافتة للنظر، تدعو إلى تنظيم مناظرة وطنية حول الأمازيغية، باعتبارها خطوة ضرورية لإعادة تقييم مسار إدماج هذه اللغة في الحياة العامة، وتجاوز ما اعتبره تعثرا في تفعيل مقتضيات دسترتها كلغة رسمية.
يرى مصطفى عنترة أن هذا المقترح لا يأتي من فراغ، بل تفرضه المرحلة الراهنة التي تشهد تحولات عميقة في تموقع الأمازيغية داخل المنظومة الدستورية والمؤسساتية. فمنذ ترسيمها لغة رسمية في دستور فاتح يوليوز 2011، شهد هذا الورش عددا من التراكمات القانونية والمؤسساتية، أهمها إصدار القانونين التنظيميين لتفعيل الطابع الرسمي، وإنشاء المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، الذي يشكل إطارا دستوريا لتدبير التعدد اللغوي.
ومع ذلك، يشير الباحث الجامعي إلى أن هذا التقدم لم يترجم بشكل كامل على المستوى العملي، إذ لا تزال اختلالات التفعيل تطرح نفسها بحدة. فهناك، حسب رأيه، فجوات ملموسة في تنزيل السياسات العمومية المتعلقة بالأمازيغية، سواء من حيث استعمال حرف “تيفيناغ”، أو من حيث ضعف الالتزام المؤسساتي، أو بطء الإدماج في الإدارة والتعليم والإعلام.
من وجهة نظر الباحث مصطفى عنترة، لم تعد الأمازيغية مجرد قضية لغوية أو ثقافية، بل تحولت إلى رهان مجتمعي وتنموي شامل، يتقاطع مع قضايا العدالة المجالية، والمساواة في الولوج إلى الحقوق، وتمكين المواطنين من المشاركة بلغة هويتهم. وهو ما يفرض، برأيه، لحظة تقييم جماعي ووقفة استراتيجية تعيد ترتيب الأولويات، وتحسم في كيفية الانتقال من الاعتراف النظري إلى الإدماج الفعلي والمنصف.
ويؤكد عنترة أن هذه المناظرة الوطنية ينبغي أن تبنى على أساس تشاركي واسع، يشمل كل الفاعلين من مؤسسات رسمية، وهيئات المجتمع المدني، ومراكز البحث، والجامعات، والهيئات الحقوقية. فبهذا الشكل فقط يمكن ضمان توازن الرؤى، وتقديم إجابات جماعية عن الأسئلة الكبرى التي يطرحها هذا الورش، وعلى رأسها: كيف يمكن تفعيل الأمازيغية بطريقة تخدم التنمية وتعزز العدالة اللغوية؟
في مداخلته، لم يغفل مصطفى عنترة الإشارة إلى الرؤية الملكية التي اعتبرها استشرافية في تعاملها مع موضوع الأمازيغية، إذ تؤكد الخطابات الملكية المتكررة أن هذه اللغة ليست مجرد مكون تراثي، بل دعامة للوحدة الوطنية والديمقراطية والتنمية. ويرى أن إشراف جلالة الملك محمد السادس على مناظرة وطنية من هذا القبيل سيمنحها زخما سياسياً ورمزياً بالغ الأهمية.
ويقر نفس المتحدث بأن المغرب حقق خطوات إيجابية في هذا المجال، كإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وتطوير مناهج التعليم، واعتماد قوانين تنظيمية واضحة. لكن بالمقابل، يؤكد أن التحديات المتبقية لا تقل أهمية، مثل ضعف الميزانيات، ومحدودية تكوين الأطر، والتفاوت المجالي في تطبيق السياسات.
لهذا، يرى أن اللحظة الحالية تتطلب مراجعة شاملة للسياسات المعتمدة، وبناء استراتيجية وطنية مندمجة، تعتمد على مقاربة تنموية شاملة تربط الأمازيغية بقضايا الإنصاف والمواطنة والحق في اللغة.
هذا وتشكل دعوة مصطفى عنترة لتنظيم مناظرة وطنية حول الأمازيغية لا تمثل مجرد موقف أكاديمي أو توصية بحثية، بل تعكس إحساسا جماعيا بالحاجة إلى مراجعة المسار، وتوجيه السياسات اللغوية والثقافية في المغرب نحو مزيد من الإنصاف والنجاعة. فبقدر ما تراكمت المكتسبات، لا يزال الكثير ينتظر التنزيل والتنفيذ. وتظل المناظرة، في نهاية المطاف، فرصة لتوسيع دائرة النقاش، وتوحيد الرؤى، في أفق بناء مغرب التعدد والتوازن اللغوي والثقافي.