“من يُضعف البحث العلمي؟.. حين تتكلم الدولة بلغة البراءة!”

بقلم: د. عبد الإله طلوع
باحث في العلوم السياسية وقضايا الشباب

من الغريب، بل من المثير للدهشة، أن يخرج وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار ليُخبرنا، بكل برودة أعصاب، أن “منسوب البحث العلمي بالمغرب يبقى ضعيفاً”، وكأن الأمر نبوءة خارجية لا دخل للدولة فيها، أو كأننا لا نعيش منذ عقود في ظل سياسات تعليمية مرتجلة، غير مستقرة، ومتخبطة بين أمزجة الوزراء وتوصيات المؤسسات المالية الدولية.

إن ما لا يقوله الوزير – ويعرفه الجميع – هو أن البحث العلمي لا يُزهر في أرض قاحلة من الموارد، ولا يمكن أن يثمر داخل جامعة تُغير جلدها كل خمس سنوات، وتُفرض عليها إصلاحات فوقية دون إشراك من يحملون همّها على ظهورهم: الأساتذة والباحثون.

فكيف يمكن للبحث أن يزدهر في ظل هزالة المنح، ومحدودية التمويلات، ومراكز البحث التي تشتغل ببنية تحتية تعود لما قبل “العهد الجديد”، بل وفي كثير من الأحيان، دون بنية أصلاً؟

يتحدث الوزير عن “بروفايلات بحثية عالية”، ويبدو أنه نسي أو تناسى أن تلك البروفايلات تُهاجر، وتُقصى، وتُحاصر، لأن الجامعة ليست سوى آخر محطة قبل البطالة أو الهروب، لا توجد إرادة سياسية حقيقية للنهوض بالبحث، لأن هذا المجال لا يُنتج مكاسب انتخابية سريعة، ولا يُغري بمنطق الربح والخسارة.

أما مناهج التكوين، فحدث ولا حرج: تتغير كما تتغير الحقائب الوزارية، بلا تراكم، بلا تقييم علمي جاد، وبلا خريطة طريق مستقرة.

ثم، من المسؤول عن هذا الضعف؟ هل هو الأستاذ الباحث الذي يُطارد ترقيته لسنوات، أو الطالب الذي ينتظر منحة لا تكفي حتى لأسبوع من الحياة الكريمة؟ أم هي الدولة التي تنظر إلى الجامعة كعبء مالي، لا كمصنع للمعرفة والتنمية والنهضة المجتمعية؟

إن من يُضعف البحث العلمي هو من ربط مستقبل الجامعة بمنطق المحاسبة المالية بدل أفق الاستثمار في الإنسان.

إن من يُضعف الجامعة هم أولئك الذين يرون التعليم العالي بوصفه “كلفة” لا “أولوية وطنية”.

ومن يُضعف الأمل هم أولئك الذين يتحدثون عن أزمات الجامعات بضمير الغائب، وكأنهم لم يكونوا – أو ما زالوا – جزءاً من صناعة الفشل.

كفى من لغة التبرؤ، فالمغاربة لا يحتاجون إلى من يصف لهم العطب، بل إلى من يتحمل مسؤوليته بشجاعة.

مقالات ذات صلة