عصيد لـ”الميدان”: رفض إلغاء التعصيب مهزلة ورفض الخبرة الجينية انتصار للرجل
أعطى المجلس العلمي الأعلى رأيه مطابقا المسائل السبع عشرة المحالة على النظر الشرعي بخصوص مراجعة مدونة الأسرة.
ورفض المجلس المجلس العلمي الأعلى ثلاث مسائل تتعلق بنصوص قطعية لا تجيز الاجتهاد فيها، وهي المتعلقة باستعمال الخبرة الجينية للحوق النسب، وإلغاء العمل بقاعدة التعصيب، والتوارث بين المسلم وغير المسلم.
من جهة أخرى، أبدى المجلس أبدى موافقته الشرعية على مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة في ما يخص إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك، وتخويل الأم الحاضنة النيابة “القانونية” عن أطفالها، واعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية، ووجوب النفقة على الزوجة بمجرد العقد عليها، وإيقاف بيت الزوجية عن دخوله في التركة، وجعل ديون الزوجين الناشئة عن وحدة الذمة على بعضهما، ديونا مقدمة على غيرها بمقتضى الاشتراك الذي بينهما، وبقاء حضانة المطلقة على أولادها بالرغم من زواجها.
وفي هذا الصدد، قال الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد، إنه يمكن القول إن اجتهادات المجلس العلمي كانت متقدمة عما سبق سنة 2004″، مستدركا بالقول “كنها لم تصل إلى مستوى طموحات القوى الديمقراطية المدنية والسياسية، وخاصة منها الحريات النسائية، التي كانت تأمل أن تقوم الدولة بتوفير الضمانات القانونية لإنهاء التمييز ضد النساء المغربيات، وتعكس هذه الخطوات التي أنجزت في المراجعة الحالية أن المغرب اختار كالعادة التطور التدريجي عوض القطيعة مع مساوئ الماضي، وسيكون على المجتمع المغربي والحكومات المتعاقبة تحويل مكتسبات التعديلات الحالية إلى وضع يضمن توفير الكرامة للنساء والمصلحة الفضلى للأطفال”.
وبخصوص رفض المجلس إلغاء التعصيب والخبرة الجينية والتوارث بين المسلم وغير المسلم، أكد عصيد أن “هذا من مظاهر الجمود الفقهي الذي كان ينبغي القطع معه منذ نشأة الدولة الحديثة، لأن رفض التحليل الجيني هو رفض للعلم الذي هو عنوان العصر كله”.
وتابع قائلا “كما يمثل هذا الرفض مظهرا من مظاهر غلبة العقلية الذكورية المتحيزة للرجل على حساب المرأة”، مشيرا إلى أن ” الرجل يقوم بكل الجهود لإسقاط المرأة في أحضانه، وعندما ينتج عن ذلك حمل فإنه يسعى إلى إنكار أي مسؤولية، ليسقط كل شيء على عاتق المرأة وحدها”.
وسجل الناشط الحقوقي أن والفقهاء يساعدون الرجل على التملص بعد أن صار العلم يفضحه. وهذا الخطأ يعني أن فقهاء المغرب أعطوا الأولوية لحماية قواعد ومنطق الفقه القديم على مصلحة البشر، خاصة وأنه خطأ جاء بعد صدور حكم قضائي سابق يثبت البنوة عبر تحليل الحمض النووي، كما جاء بعد أن صارت الدولة تعتمد هذا التحليل المختبري في محاكمة مرتكبي الجرائم، وهذا تناقض كبير في نفس الدولة، التي تحرص على اعتماد العلم لإرسال الناس إلى السجن، وترفض اعتماده لضمان مصلحة الأطفال وكرامتهم”.
وشدد عصيد على أن رفض إلغاء التعصيب فهو مهزلة المهازل، لأن بعض الفقهاء أنفسهم عندما يكون لديهم بنات فقط يتحايلون على النظام الشرعي في الإرث بـ”الهبة” وغيرها من الطرق لحفظ مصالح بناتهم وحمايتهن من ظلم الأعمام وأبناء الأعمام، وهذا من الأدلة الواقعية الدامغة على بطلان التعصيب وخطره على وضعية الفتيات والنساء.
واعبتر عصيد أن رفض التوارث بين المسلم وغير المسلم يعني احتفاظ الفقهاء بأفكار لم يعد لها أي مدلول في عصرنا، لأن الملكية لا يحددها الدين بل العلاقة العائلية، والرجل المتزوج بامرأة غير مسلمة لا يمكن له بحكم ما بينهما من مودة أن يحرمها من حقوقها الاقتصادية بل العكس، فالفقهاء هنا يبطلون ما بين البشر من مشاعر عميقة وروابط عائلية فقط على سبيل العناد، لأن منطق الفقه القديم ارتبط بظروف وقيم لم يعد الناس يعيشون بها اليوم، ولهذا مرة أخرى، وكما يحدث في التعصيب، تقوم العائلات المغربية بالتحايل على هذا العائق الشرعي بوسائلها الخاصة حفظا لحقوق الجميع بغض النظر عن المعتقد، مضيفا بالقول “لقد كنا نأمل أن تصل الدولة إلى مستوى احترام جميع مواطنيها، لكن الفقه المغربي يبدو متخلفا عن تحولات المجتمع ومنطق الدولة”.
وأكد عصيد أن المجلس العلمي قدم بعض الاجتهادات التي تفرضها تطورات واقع الأسرة المغربية وضرورات الوقت، ولكنه أحجم عن اجتهادات أخرى ضرورية يفرضها الواقع، وسبب الإحجام هو التمسك بقواعد فكرية لم تعد صالحة لزماننا، مما جعلهم يعطون الأولوية للنصوص على مصلحة الإنسان، وهذا لا يسمح بالتطور.