جعى يكتب.. رسالة مفتوحة: الموارد البشرية بقطاع الصحة من الخصوصية إلى تشتيت الوظيفة الصحية
.
لا أحد يجادل أن حل أزمة الموارد البشرية بالقطاع الصحي هو المفتاح الجوهري و اللبنة الأساسية لحل معضلة الخدمات الصحية بالمغرب ومهما تتوفر الدولة على منشاءات وناطحات صحية فالخدمة مرتبطة ارتباطا وجوديا بالعامل البشري. وهو ما ضلت تنادي به جميع الحكومات وتتخده كشعار رنانا. حتى جاءت أزمة كورونا ويصدر خطاب ملكي هام حول ” مفهوم السيادة الصحية كجزء من السيادة الوطنية ” وبعد تاكيد ملك البلاد على العناية بالأطر الصحية بدأت تتحرك عجلة صانعي القرار نحو حل إشكالية الموارد البشرية كما وكيفا . لكن للأسف الإرهاصات الأولى لبداية التنزيل كانت مناقضة لكل التوجهات والشعارات.
فقد جاء في ديباجة القانون الإطار 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية أن من اللبنات الأربع للإصلاح هو ” إعادة الاعتبار للموارد البشرية العاملة في القطاع الصحي ” ونصت المادة 23 منه على ” إرساء لوظيفة صحية تتوخى تثمين الموارد البشرية العاملة بالقطاع العام وتأهيلها، تخضع هذه الموارد البشرية لنظام أساسي، يتخذ بقانون، يحدد على الخصوص الضمانات الأساسية الممنوحة لها وحقوقها وواجباتها ونظام أجورها ” .ولحد الآن فالتوجهات العامة في القانون الاطار واضحة فالهدف منها إعادة الاعتبار لمهني الصحة وتحفيز الموارد البشرية بمعنى تقوية الضمانات و البحث عن التحفيز المادي والمعنوي. لكن مع صدور النصوص التي أشار إليها القانون الإطار بدأت تطغى بعض الضبابية والتسرع في التنزيل وبداية مخالفة الشق المتعلق بالموارد البشرية فرغم تنصيص القانون 22-09 المتعلق بالوظيفة الصحية في مادته الأولى على أن القانون سالف الذكر الهدف منه تحديد الضمانات الأساسية الممنوحة لمهنيي الصحة بالمجموعات الصحية الترابية. إلا أنه أقر بفصل جزء كبير من مهنيي الصحة عن وزارة الصحة وترك جزء بالإدارة المركزية وجزء بوكالة الدم والأدوية وهي بداية تشتيت العاملين بقطاع الصحة . فالقانون الإطار 22-06 ينص صراحة على كل العاملين بقطاع الصحة وليس جزء مما يعني تعدد الأنظمة المطبقة عليهم في مخالفة واضحة للهدف من التغيير و ضرب لمفهوم إعادة الإعتبار للموارد البشرية. وبصيغة أخرى بداية انحراف المسار التشريعي في شقه المتعلق بالموارد البشرية عن مساره. ليأتي قانون 08.22 المتعلق بالمجموعات الصحية الترابية ليؤكد ذلك. فرغم تنصيصه صراحة في المادة المادة 17.
إنه لا يمكن ، بأي حال من الأحوال، أن تكون الوضعية النظامية المخولة بموجب النظام الأساسي لمهني الصحة بالمجموعة، للأشخاص الذين تم نقلهم تطبيقا للمادة 16 أعاله، أقل من تلك التي كان يستفيد منها المعنيون بالأمر في إطارهم الأصلي في تاريخ نقلهم.” فالنقل المذكور في المادة 16 أو وضعية الإلحاق الخاص ببعض الفئات في كل من وكالتي الأدوية والدم لايعني المس بالوضعية النظامية أو المالية لموظفي وزارة الصحة المنقولين على غرار ما وقع بموظفي الجامعات وموظفي التعليم المزاولين بالاكادميات. خاصة أنه لاوجود لأي توصية أو توجيه أو تقرير أو حتى برنامج يشير أن التدبير المالي لموظفي الصحة يشكل اشكالا بل على العكس المشكل الأكبر هو قلة الموارد البشرية و ضعف تحفيزها عبر إعادة الاعتبار لها بدل المس بوضعها.
وهي السلطة الأكبر في هذا الإصلاح. لأن الهدف من الإصلاح في شقه المتعلق بالموارد البشرية هو التحفيز لخلق جاذبية خاصة في ضل النقص المهول. وليس سلك مسار خاطئء سيتسبب في التنفير و التذمر بدل الاستقطاب كما هو واقع اليوم وبالتالي تحول الإصلاح إلى معول هدم بسبب تسرع تشريعي و مخالفة النصوص لأهداف التنزيل. وهو وضع سيزيد نزيف القطاع و ارتفاع الهجرة خارج القطاع والابتعاد عن القطاع العمومي في ضل تدبير فردي و تهديد مكتسبات وضمانات لموظفين أفنوا أعمارهم بالقطاع وشباب تم توظيفهم حديثا يتطلعون لمستقبل زاهر بالقطاع ليصدموا بتغيير غير مدروس سيعصف باستقرارهم المهني لينطبق على هذا الإصلاح ” جا يبوسو وعماه ” وهو واقع يحيلنا على وضع ليس بجديد فنجد العديد من الخطب الملكية والعديد من التوصيات والتوجهات الاستراتيجية لكن الاخطاء تبدأ في التنزيل.
لهذا فالمطلوب تدارك الأمر لأننا نتحدث عن قطاع كجزء من السيادة الوطنية وليس مقبول فيه التمرين أو التجريب وخاصة في مسألة مقدمي العلاجات فالأمر يتعلق ب70000 موظف صحي .يضحون ويقدمون الخدمات ويحافضون على الأمن الصحي كجزء من النظام العام في ضل خصاص كبير و ظروف عمل صعبة ولا ينقص القطاع احتقان جديد بسبب تهور أو سوء تقدير . وللعلم فالتغيير الوحيد الذي كان مرسوما هو التحفيز المادي في ضل ضعف جاذبية القطاع العام عبر الاجر المتغير انا الباقي فهو الحفاظ على الوضع .ليتحول بفعل فاعل لتغيير في الوضعية الوظيفية لمهني الصحة والمس بمراكزهم المالية وهو ما يطرح عدة علامات استفهام حول الهدف من مثل هذا الإجراء البعيد عن سياق الإصلاح . بل اللبنة الأولى للإصلاح مما يعني سقوط الرجل الأولى من الطاولة.
الدكتور مصطفى جعى