كريمة دلياس تفتح أبواب الخيال أمام الأطفال في ورشة “الكتابة والطفل”

نظّم نادي القلم المغربي، بتنسيق مع المركب الثقافي كمال الزبدي بالدار البيضاء، يوم الجمعة لقاءً ثقافياً موسوماً بـ”الكتابة والطفل: ورشة للتفكير”، ضمن أنشطته الثقافية والأدبية لموسم 2025/2026. وقد مثّل الحدث فرصة للغوص في عالم أدب الطفل واستكشاف أبعاد الكتابة الإبداعية وتشجيع الناشئة على سرد القصص والحكايات، بإشراف وتأطير الكاتبة المغربية كريمة دلياس.

افتتحت مديرة المركب الثقافي، أسماء الرفاعي هذا اللقاء بكلمة ترحيبية بالحضور، مشيدة بقيمة هذه المبادرات الثقافية والجهود التي يبذلها نادي القلم المغربي في خدمة الثقافة وتعزيز الإبداع، وإشراك جميع الفئات في الحياة الثقافية والفكرية للمجتمع.
يأتي هذا اللقاء في سياق تسليط الضوء على أدب الطفل خاصة في ظل التحولات الرقمية والتكنولوجية، ومدى إسهام هذا الأدب في تربية الطفل وتثقيفه اجتماعيا ونفسيا وفكريا، وما يمنحه من مساحات حرة لتطوير أخيلته ومهاراته، انطلاقاً من رؤية الكاتبة التي تحرص على “إسعاد الأطفال من خلال الكتابة في عالم مليء بالتناقضات، وإدخالهم إلى عالم السرد الحالم، ليتمكنوا من بناء عالمهم الخاص والتحليق بأجنحة الخيال، وخلق متعهم الخاصة وإبداعاتهم الشخصية، وتطوير شخصياتهم وقدراتهم المعرفية والفنية، وتعزيز ذكاءاتهم المتعددة وروح النقد لديهم”، كما تقول في إحدى تصريحاتها.
تناولت الباحثة نادية بوراس مسار الكاتبة كريمة دلياس، الذي تميز بشقين: إذ بدأت رحلتها الأدبية في الشعر قبل الانتقال إلى أدب الطفل وما يمنحه من آفاق تخييلية واسعة رحبة لاتحدها حدود، مشيرة إلى حصول أعمالها على عدة جوائز وطنية وعربية، وإلى تنوع إنتاجاتها بين الشعر والإبداع الموجه للصغار.
كما أبرزت الباحثة أن أهمية أدب الطفل تكمن في الأدوار التي يلعبها هذا الفن تربويا، ونفسيا واجتماعيا، وصولاً إلى ما يخلقه من حس جمالي وفني وامتلاك لناصية اللغة والتعبير لدى الأطفال، مؤكدة أن الكتابة للطفل تمثل فرصة لإعادة التفكير في العالم من منظور مغاير.
في كلمتها أكدت الكاتبة كريمة دلياس على أهمية التعمق في سيكولوجية الطفل قبل الولوج إلى عوالمه الشيقة والرحبة لضمان ملاءمة النص المنتج لقدراته المعرفية وحاجياته النفسية، وإدماج القيم النبيلة التي توسع مداركه وتنمي خياله. كما شددت على ضرورة بناء عوالم سردية مشوقة تعتمد على السرد غير المباشر والاستبطان النفسي والملاحظة الدقيقة لتجربة الطفل، ذلك أن الأدب المقدم للأطفال يختلف عن الأدب المقدم للكبار، من حيث الشكل والمضمون، والرسوم والصور والألوان والغلاف، وحس تربوي ولغة غير معقدة وإدارك واع لعالم الطفل.
تعميقاً للنقاش، فُتح باب الحوار مع الحضور، الذين طرحوا أسئلة أضافت غنى للقاء، تناولت دور أدب الطفل التربوي والتعليمي، والمسؤولية الملقاة على كاتب أدب الطفل في ظل التحولات الرقمية والمجتمعية، والقيم التي يسعى إلى غرسها في قصصه، ومدى قدرة الإصدارات الأدبية على إشباع فضول الطفل المغربي وتلبية خياله، ووجود أعمال تراعي احتياجات الأطفال المصابين بالتوحد وذوي الاحتياجات الخاصة.
في إجاباتها، أكدت الكاتبة على أهمية مواكبة التحولات القرائية في العصر الراهن، ومراعاة المراحل العمرية وخصائص الأطفال النفسية، وضرورة العمل التشاركي بين الآباء والمدارس وكتاب أدب الطفل لتشجيع فعل القراءة، من خلال القراءات الحرة، وإنشاء مكتبات صغيرة في المنازل، وتبادل الكتب وتلخيصها. كما شددت على أهمية تنظيم ورش كتابة للأطفال واليافعين لدورها في دفعهم نحو الإبداع وإخراج مكنوناتهم، بالإضافة إلى الاقتراب أكثر من عالم الأطفال المصابين بالتوحد وذوي الإعاقة، لتمكينهم من إنتاجات تشبع فضولهم وتنمي خيالهم.
اختتمت الفعالية الثقافية بورشة تفاعلية للكتابة الإبداعية، قدمت خلالها مؤلفة “دهشان ودخشان” و”مغامرات ريمة” جملاً مفتاحية لتحفيز الأطفال على كتابة قصص قصيرة، من بينها: “استيقظت ذات يوم فوجدت نفسي بحجم نملة”. وقد عرض الأطفال واليافعون نصوصهم أمام الحضور، التي تميزت بالاشتغال على تيمة الحلم واستخدام الخيال لنسج قصصهم، في تجربة جمعت بين التعليم والتسلية والإبداع. وأكدت بما لا يدع مجالاً للشك أن الحجر الأساس في بناء الإنسان يبدأ من الطفولة، وأن ‘الكبار هم من يصنعون أدب الطفل، لكن الصغار هم من يمنحونه الخلود”.
يُذكر أن الكاتبة والشاعرة كريمة دلياس لديها مجموعة من الإصدارات الأدبية الموجهة للأطفال، من أبرزها: المجموعة القصصية ينبوع الحكمة (2021)، قصة للأطفال بعنوان العصفور الشادي صادرة عن دار النشر الفرنسية (Les Officines (2020، سلسلة قصصية للأطفال باللغتين العربية والفرنسية صادرة عن منشورات مرسم (2018)، سلسلة قصصية للأطفال تضم ثمانية قصص صادرة عن وزارة الثقافة المغربية (2015). كما تتميز دلياس بإصداراتها الشعرية، من بينها: ديوان “للريح أن تتهجى”، الصادر عن دار البدوي للنشر والتوزيع في تونس (2019)، ديوان “بقايا إنسان”، الحائز على جائزة الاستحقاق من جوائز النعمان العالمية بلبنان، والصادر عن مطبعة سلجماسة بمكناس (2007). وقد حازت الكاتبة على تكريم من عدة جمعيات ثقافية ومؤسسات تربوية، وشاركت في ورشات للحكي لفائدة الأطفال، بالإضافة إلى مشاركتها في مهرجانات شعرية وقصصية عديدة، مايعكس اهتمامها بتطوير جيل قارئ ومبدع.