كريش يكتب.. بأي حق نصادر حرية الآخر؟

لست متفقا مع خيار التطبيع الذي اتخذته الدولة المغربية، ودفعت رئيس الحكومة آنذاك الدكتور العثماني للتوقيع عليه باسمها، لحاجات في نفس يعقوب؛ أبرزها المساس بصورة حزب العدل والتنمية في الوجدان الشعبي، كحزب يعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية، وأن الصراع مع الصهيونية صراع وجود لا صراع حدود.
نجحت الدولة في خفض التعاطف مع البجدي بخطوة التطبيع، إلى جانب ملفات آخرى؛ وكانت نتائج تشريعيات 2021 مؤشرا على التراجع القوي للحزب(حزب فقد %90 من مقاعده البرلمانية، وانتقل من 125 مقعدا سنة 2016 إلى 13 مقعدا سنة 2021).
هل يتحمل الدكتور العثماني مسؤولية ما وقع لحزبه؟
نعم يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، وأقر بذلك، وابتعد عن الأنظار، وعاد إلى عيادته ومكتبته؛ وفي ذلك نبوغه والجلباب الذي يليق به ويناسبه. العثماني طبيب نفساني وفقيه، و”كل ميسر لم خلق له”.
هل يجب على الدكتور العثماني أن يقر بمسؤولية التراجع ويجري نقدا ذاتيا؟
أمر مطلوب، وما زلت انتظره، حتى يعود العثماني إلى بيته الذي ترعرع فيه ويعرفه، وأهل البيت يعرفونه ويقدرونه، ويعرفون حكمته ورزانته، وكذلك قيمته العلمية. عودوا إلى الأعداد الأولى من مجلة الفرقان لتعرفوا قيمة العثماني.
ابتعد العثماني عن السياسة و”نواعرها”، وعاد إلى تخصصه، وعاد ليحاضر في الجامعات، وينشر معرفته للمختصين بالاستشارة النفسية على وجه الخصوص. عودته للمعرفة لم تنسي البعض توقيعه للتطبيع؛ فاحتجوا عليه وضايقوه اليوم بكلية الآداب بتطوان.
هل يحق لهم ما فعلوا؟ وهل ما أقدموا عليه مبررا؟
يحق لهم الاحتجاج على التطبيع ومناصرة القضية الفلسطينية، يحق لهم التعبير عن رأيهم. لكن بشرط أن لا يمسوا بحريات الآخرين.
نفترض دعاة التطبيع نظموا نشاطا للتعبير عن موقفهم؛ هل يحق لمناصري القضية الفلسطينية منعهم؟ موقفي واضح كليبيرالي ومؤمن بالسياسة كفعالية مدنية(بتعبير بلقزبز) لتدبير خلافاتنا: أحتج واعبر عن رفضي للتطبيع دون أن امنع دعاة التطبيع من تنظيم نشاطهم، وإلا سأتحول إلى مؤمن ب”شرعة اليد”؛ فالمؤسسة الوحيدة التي تمتلك حق ممارسة العنف المشروع بتعبير ماكس فيبر هي الدولة، وهي من تمتلك حق المنع. خارج هذا المنطق تفكيرنا إقصائي وارهابي وإن لم نصرح بذلك.
بهذا المنطق؛ فإن ما قام به بعض الطلبة اليوم في حق الدكتور سعد الدين العثماني مدان وسلوك إرهابي. كما أعلن تضامني مع الدكتور العثماني.
الباحث لحسن كريش